ديما طهبوب.. راعية الحسبة

ديما طهبوب.. راعية الحسبة

بين سطور مقالات وخطابات سعادة النائب، الدكتورة ديما طهبوب، أمنيات بأن تعود الأزمنة الغابرة التي تكون فيها راعية للحسبة في المجتمع؛ فتتمشى في أسواق عمّان تلوّح بسوط مشدود إلى عصا قصيرة، تتبختر الهُوينى، تتلفت ذات اليمين وذات الشمال بعنجهية صاحب السلطة، ليست أية سلطة، فهي خليفة الله في الأرض، الآمرة بالمعروف الناهية عن المنكر، لعلّها في ذلك تظنّ نفسها المحتسبة على السوق؛ سمراء بنت نُهيْك الأسدية التي كانت تمرُّ في الأسواق، وتأمرُ بالمعروف، وتنهى عن المنكر، وتضرب الناس على ذلك بسوط كان معها.

لعلها؛ لكن لا بأس، وإلى حين ميسرة ببعض التعزير، عسى أن تصل مرادها ببناء دولة خلافة أخرى تحاكي دولة الخلافة الداعشية في الرقة، وتتمكّن في ظلّها من إقامة الحدود كاملة، بحيث تمارس بها صلاحياتها من دون حسيب أو رقيب،  ولا بأس أيضاً من أن تمارس بها أشواقها الظلامية المكبوتة؛ بفصل بعض أطراف ورؤوس المتجاوزين على الحدود، وأن تقوم بتعليقها على بوابات المدينة لتكون عبرة تُرهبُ بها الآخرين من الخارجين عن الملّة.

لسبب أجهله، فإن الجمال يستفزّ خيال طهبوب، ويثير سُخطها، وأكثر ما استثارها، تلك العذوبة التي تتدفّق بها نصوص باسل رفايعة، فتمنت، وهي دكتورة الأدب القارئة للقرآن، بإصرارها أن تفصل واو العطف عما بعدها أينما وردت في مقالتها، وأن توصل بذلك رسالة مشفرة برغبتها المكبوتة العارمة لفصل أوصال الأجساد وتقطيعها.

في بلادنا، يوصل الناخبون النائب إلى البرلمان ليناقش همومهم ويحل مشاكلهم بما يضمن لهم ولأولادهم الحياة بكرامة وتأمين لقمة العيش، لكن سعادتها أرادت أولا تهذيب وتشذيب المجتمع! وها هي تستصرخ وزارة الداخلية لتهاجم المطاعم السياحية، لاحظوا هنا؛ أنها تحرّض "الداخلية" بدلاً من أن تراجع سلوك هذه الوزارة التنفيذية تحت القبة وتضبطه بحيث يظل منسجماً مع الدستور في مراعاة حرية الأفراد والجماعات.

وكان أن استفزَّ خيالها قبل هذه المرة شأنٌ آخر، يتعلّق بروّاد منطقة مطلة في جبل اللويبدة، مُتِهمةً- ضمناً- كل من يذهب إلى ذلك المَطل الجميل بأنه يذهب لممارسة الفجور والفسوق.. يا للهول! إننا في حضرة نائب لا تقنع بدورها التشريعي والرقابي، بل تتعدّى على مؤسسات الدولة راغبة بتطبيق قناعاتها مباشرة، هذه القناعات التي لا تحتمل الخطأ، تريد تطبيقها على الناس في مشهد تتجاوز به الأجهزة التنفيذية العاملة ضمن دولة القانون والمؤسسات، التي تراعي الحريات العامة والخاصة، إلى ما هو أقسى وأشدّ من حيف الأحكام العرفية.

لعل مشكلة سعادة النائب أنها، وهي مثلها مثل المطوّعين في المشيخات الثيوقراطية، تنسى أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قامت به جهة أو مؤسسة سقط الإثم عن الباقين، وأنها كنائب ليس من واجبها أن تكون رقيب حسبة، بل أن تقوم بدورها في الرقابة والتشريع في المكان المخصص دستورياً لهذه الغاية؛ وهو البرلمان، بما يساهم في تقدم المجتمع لا إعادته إلى الوراء.

 

محمد قبيلات: كاتب وصحافي أردني.

أضف تعليقك