داعش لا "تناغش" وواشنطن لا" تلاطف"

داعش لا "تناغش" وواشنطن لا" تلاطف"
الرابط المختصر

داعش لا تناغش"، أي أن داعش لا "تلاطف"، لا تمازح، لقسوتها وجرمها، .. تعليق ساخر في صفحات التواصل الاجتماعي، يعكس قلقاً لدى الأردنيين، بل إحباطهم، من أن الخيار بات بين قبول أنظمة قمع وظلم اجتماعي أو ظلامية الجماعة المتطرفة، بعد ان بدت قريبة من حدود البلاد.
لمخاوف الأردنيين العميقة، من إيجاد أنفسهم في مرمى نار داعش، ما يبررها، فالحركة السلفية الجهادية موجودة، ولها أتباعها، والأردنيون، الذين ينضمون إلى أحد تفرعات التنظيمات المتطرفة، يزدادون، والأب الروحي لداعش، أبو مصعب الزرقاوي، انطلق من الأردن قبل تزعمه تنظيم القاعدة، ونشاطه في العراق.
معضلة الأردنيين لا تتلخص بالتخلي عن حلم التغيير، على الرغم من فداحة الأمر، بل بأخطر من ذلك، لأن واشنطن تتوقع من النظام تنفيذ دور أمني، يدخل البلد، ومن فيها، في مواجهة مع التنظيمات المتطرفة، كما أن الحكومة تستغل حالة الاستكانة الشعبية، لرفع مزيد من الأسعار، فتضرب أغلب الفئات في معيشتها وحياتها اليومية، أي أن كلاً من واشنطن والأنظمة، وفي هذه الحالة النظام الأردني، يهددان بغول العصر، داعش، واشنطن ترى فيه مدخلاً إلى تشكيل حلف أمني إقليمي، يجعل من إسرائيل شريكة إقليمية، والنظام يستغل الرعب من داعش، لتمرير أحكام محكمة أمن الدولة ضد الحراك بعد إضعافه، ولفرض إجراءات اقتصادية، تنفيذاً لتوصيات صندوق النقد الدولي، ولمنع محاسبة، أو مساءلة، لسلب، أو فساد ينخر موارد الوطن المهدورة.
المشكلة أن داعش غول موجود، بالصور والفيديو، حتى لو افترضنا المبالغة في حجمه ونفوذه، إلى درجة أن معارضين كثيرين مستعدون للوقوف مع النظام، مع ما يمارسه من تهميش سياسي واقتصادي، إذا كان لا بد من اختيار بين النظام وداعش، فالتنظيم المسخ، الخارج من بطون القاعدة، هو أهم هدية للنظام العربي، ضد الحركات الشعبية والثورات.
لكن، لمواجهة داعش والوقوف مع النظام، من دون شرط، تداعيات، فالأردن على خط التماس، في حدوده مع سورية أو العراق مع داعش وأخواتها، والمطلوب أميركياً أن يوظف كل إمكاناته الاستخباراتية والأمنية ضمن الهدف الأميركي في مواجهة كائنٍ، شاركت مخابراته الأميركية، ومعظم مخابرات المنطقة في تصنيعه، فبدايات التنظيم المعروفة كانت في الأردن، مع تمرد الزرقاوي على معلمه السلفي، أبو محمد المقدسي، الذي أفرجت عنه الأردن قبل أيام، وانطلاق الزرقاوي واختفائه، بعد أن أطلقت الأردن سراحه من سجونها، وظهوره المفاجئ زعيماً قاعدياً، لا تتناسب سطوته مع قدراته، ولا مصادره المالية الطائلة مع فقر عائلته.
الصورة معقدة، بغموضها وتناقضاتها: فعلاقة الأجهزة الأردنية مع تلك الحركات تثير التساؤلات، على أقل تقدير، إلى درجة الشك، إذ حتى لو افترضنا أنها نجحت في اختراق الحركة السلفية، يبقى واضحاً أن هذه الحركات وبعض أفرادها هم من استفاد من محاولة استغلال الأجهزة لهم ضد الحراك الشعبي والأحزاب الأردنية.
الأجهزة الأمنية في الأردن، في إعادة لما قامت به المخابرات الأميركية، تتعامل مع هذه التنظيمات كغول تستعمله، ودائما يرتد عليها، لكنها لا تتعلم، لأن خوفها من التغيير المستنير أشد من خوفها من تنظيم مسلح تعلن الحرب عليه، وفي حرب تستعملها أداة لضرب كل معارضيها أيضا.
لو صدقنا نظرية المؤامرة، لبدا كل ما يجري وكأنه متناسق تماماً مع توريط الأردن في مواجهة مع داعش، تكون نتيجتها ليس فقط استهداف الأردن والأردنيين، بل اتساع قاعدة هذه المجموعات في ضوء توسع رقعة الفقر وطـَحن المعوزين، أي أن النظام يدخل في تنفيذ وصفة كارثية على البلاد وعليه، بمشاركته ومعرفته.
فكيف يمكن تفسير ظهور فيديو داعشي، يدعو أهل معان، المدينة الأردنية، التي تشهد اضطرابات متقطعة، ومستمرة، للنهوض ضد النظام، ونشر تصريحات سلفية بأن الأردن مخزون داعش التنظيمي، فيما يتوالى عرض عضلات أردني رسمي يضع الأردن في خط المواجهة أميركية التدبير؟
وهل عقدت الأجهزة صفقة مع أبو محمد المقدسي، منظر السلفية الجهادية الأصلي، لتنسيق المواجهة مع التنظيمات الجهادية؟ وماذا يستفيد الأردن، غير الإغراق في دور وظيفي، ليخدم أميركا للسيطرة على كارثة من صُنـْعِها بدأت في افغانستان والعراق؟
أردنيون قد يختارون الوقوف مع النظام ضد داعش، لكن، مع من يقف النظام نفسه، فيما يستعد لمزيد من سياسات التفقير؟ فإذا كانت داعش لا تناغش أو تلاطف، فالفقر "يداعس"، والامبرطوار الأميركي، الذي يعتاش على دماء شعوب في حروب الارتواء من النفط، "يدافش ويباطش".

العربي الجديد