داعش.. العودة إلى القواعد
ذهبت تقديرات الاستخبارات الأميركية، في عام 2013، إلى أن تعداد مقاتلي داعش قد يصل إلى نحو 10 آلاف مقاتل فقط، كان هذا قبل عامين من استيلاء التنظيم المتطرّف على الرقة والموصل، وقبل إعلانه ما يسمّى دولة الخلافة، لكن؛ حسب تقارير لاحقة لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، فقد بلغ عدد مسلحي تنظيم داعش نحو (31500) مقاتل.
اليوم؛ ونحن نشهد أفول دولة الخلافة، تحت ضربات قوات التحالف الدولي، وقوات سورية الديمقراطية، والدولة العراقية من جهة، ومن القوات الجوية الروسية وحلفائها من جهة أخرى، يحقّ لنا أن نتساءل: أين غابت جحافل داعش؟ وعلى أية مخاطر تنطوي هذه الحرب الدولية ضد تنظيم الدولة، ونتيجتها الغامضة، المتمثلة باختفاء الخصم وانسحابه من أرض المعركة؟
نقول هذا، ونحن نعلم أنه لم يتمّ قتل او أسر أعداد تذكر من أعضاء التنظيم، ونعلم أيضاً أن تنظيم الدولة لم يكن ليصمد لولا الدعم المتوفر له من قبل الحواضن الشعبية، صاحبة المظلومية، الممتدّة من غرب العراق إلى شرق سورية، إضافة إلى كونه قد تمدّدَ في مناطق رخوة أمنياً، وأكبر دليل على هذا الدعم، الاجتماعي، ما حصل في الموصل، حيث سيطر التنظيم على هذه المدينة برغم أن قوام تشكيله العسكري فيها لم يتجاوز، في أحسن أوضاعه، الألف مقاتل، حسب مصادر متطابقة.
ما الذي تغيّر اليوم؟ فقد تمّ قصف المناطق التي سيطرت عليها خلايا داعش، ومن ثم تم احتلالها من دون معارك، ما عدا الموصل والرقة، واختفت كوادر داعش، كأنها ملح ذاب في رمال الصحراء، ولعل هذا يذكرنا بالاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 2006، مع فارق التشبيه، عندما اختفت عناصر حزب الله بين حواضنها، وما أن تم الانسحاب الإسرائيلي حتى عادت إلى تشكيلاتها العسكرية، كأن شيئاً لم يكن.
هنا تكمن خطورة التشكيل العسكري الذي يقاتل أعداء خارجيين على أرضه وداخل قاعدته الاجتماعية، فمن المعروف أن أعضاء تنظيم الدولة يتكوّنون في غالبيتهم من ابناء هذه المناطق مدعومين من عشائرهم، إضافة إلى المتطوّعين العرب والأجانب الذين أتوا من كل حدب وصوب، فأبناء المنطقة سيعودون إلى بيوتهم بينما لن تعدم البقية الوسيلة للعودة إلى منابتها.
باختصار؛ هذا النصر، الذي يتغنّى به الداعمون السابقون لداعش، المتحالفون بالتضامن اليوم ضدّها، نصر ناقص، لأنه لم يتكلّل بإنهاء التنظيم ولا كوادره، وما هي إلا مرحلة كمون يعود خلالها التنظيم إلى مغاوره، كما حدث في أفغانستان بعد الاحتلال الأمريكي، متخلّصاً من إدارة الدولة، متفرغاً الآن للأعمال الإرهابية فقط، إذ سيستأنف التنظيم أعمال التفجيرات في العراق وسورية وربما في ساحات أخرى.
لا شك أن التنظيم قد تلقى ضربة قاسية، لكن يجب ألا ننسى أنه كسب الكثير من الأعضاء والانتحاريين في السنوات السابقة، عن طريق التجنيد خلال إدارته لهذه المناطق الممتدة من الموصل إلى ريف حلب ومن حدود تركيا إلى الحدود الأردنية والسعودية جنوباً، فهو تنظيم قادر على جذب الأعضاء الجدد وهو تحت الضغط، كيف وقد مرّ بهذه الفترة من الرخاء، سيطر فيهاعلى مقدرات المنطقة عدة سنوات، واليوم فإن هناك مَن سيلتحقون به نتيجة لممارسات عناصر الحشد الشعبي والنظام السوري وحلفائه من الميلشيات الطائفية ضد سكان المناطق "المحررة".
المطلوب الآن؛ دعم جهود إعادة بناء السلطة في هذه المناطق، ونزع الظلم الواقع على سكانها، وتكاتف الأطراف جميعهم لبناء حكم عادل في كل من سورية والعراق، يباشر بدوره إعادة الإعمار، وبناء مؤسسات ديمقراطية، وترسيخ القوانين العادلة، إضافة إلى توفير الأمن لسكان هذه المناطق، تمهيدا لرفع الظلم عنهم والعودة بهم إلى الحياة الطبيعية.
هذه هي الوسيلة الناجعة الوحيدة لانحسار داعش والتشكيلات المتطرفة كافة من هذه المناطق.
محمد قبيلات: كاتب وصحافي أردني.