خيارات "خرم الإبرة"!

خيارات "خرم الإبرة"!
الرابط المختصر

نزع قرار الملك بـ"تجميد رفع أسعار المحروقات" فتيل تصاعد حالة الغضب والاحتقان في الشارع أمس. إلاّ أنّ لغم الأسعار والتعيينات الأخيرة (في المواقع العليا) انفجر في مكان آخر؛ في مجلس النواب، مع توقيع مذكرة من قرابة 90 نائباً تستأذن الملك بإدراج طرح الثقة بالحكومة على جدول أعمال الدورة الاستثنائية.قبل القرار الملكي، أدت مذكرة النواب إلى خلط الأوراق، وفتحت الباب واسعاً أمام سيناريوهات متعددة، وقراءات متباينة.

وتمركزت التحليلات حول فرضيتين: الأولى، أنّ وصول الموقعين إلى هذا الرقم الكبير، تُشتم منه رائحة عودة الصراع بين مراكز القرار، وإعادة تشكيل الاستقطابات داخل مؤسسة الحكم!أمّا الفرضية الثانية، فتستبعد فرضية الصراع، وترى أنّ ما حدث هو انفلات النواب من تحت المظلة الرسمية، تحت ضغط حساباتهم الانتخابية ومصالح قواعدهم الاجتماعية.

وهي فرضية تعني –بالضرورة- فشلا ذريعا لدى المؤسسة الرسمية في التحضير الجيّد لقرارها، حتى أنّها لم تستطع تسويق مثل هذا القرار لدى الأوساط السياسية المؤيدة لها والمحسوبة عليها.التجميد الملكي لقرار رفع الأسعار نفّس من قيمة المذكّرة النيابية، وفيه إشارة مهمة إلى أنّ الإبقاء على الحكومة ما يزال الخيار المعتمد، بالتزامن والتوازي مع المتغير الثاني والمهم وهو مراقبة نسبة التسجيل وتقييمها، إلى حين انتهاء مرحلة التمديد الثانية (حتى آواخر شهر أيلول الحالي)، وصولاً إلى اتخاذِ قرارٍ بحلّ مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية قبل نهاية العام؛ فهذا هو المسار المضمون لدى دوائر القرار.حل المجلس (في اللحظة الراهنة) يبقى خياراً مطروحاً، بخاصة بعد إعلانه الحرب على الحكومة، وانتقال الأزمة إلى "بيت النظام".

لكنه خيارٌ ليس مضمون النتائج، وفقاً لحسابات مطبخ القرار؛ فلو كان عدد المسجلين أقل من الرقم المطلوب، فإنّ ذلك سيحرج الدولة، ويعزز من قوة المعارضة، ويضعنا في مأزق دستوري. لذلك، يعتمد هذا القرار على الأيام القليلة القادمة، حتى نهاية الأسبوع الحالي، لتقييم نسبة التسجيل للانتخابات النيابية، بعد رمضان والعيد، ومع الحملة الإعلامية الرسمية الواسعة لمضاعفة الأعداد وزيادة نسبة المسجلين.

في المقابل، ثمة توجّه فاعل يدفع باتجاه رحيل الحكومة وحل المجلس، مستنداً إلى فرضية أساسية تتمثل في أنّ عدم الإقبال على التسجيل اليوم لدى شريحة واسعة من المجتمع، يعود إلى وجود شكوك واسعة من النواب والمواطنين بإمكانية إجراء الانتخابات في ظل الظروف الإقليمية ومناخ المقاطعة، وفي مواجهة هذه القناعة لا بد من توجيه رسالة حاسمة قوية من قبل "مطبخ القرار" بإجراء الانتخابات، أي تحديد موعدها مبكّراً، فهل يمكن ذلك بدون الاضطرار إلى "حل مجلس النواب" دستورياً، أم لا؟ هذا سؤال أخذ حيّزاً من الدراسة والتفكير.بعيداً عن هذه الحسابات المعقّدة، وعن حالة الشارع، بانتظار حسم قريب، فإنّ حكومة فايز الطراونة منذ أمس باتت عبئاً على الحكم، ومصدراً جديداً لاستنزاف رصيد الدولة.

وإذا كان قرار رفع أسعار المحروقات قصم ظهرها شعبياً، فإنّ ما أثّر كثيراً على علاقتها بالقاعدة الاجتماعية للحكم وبمطبخ القرار نفسه "التعيينات الفضيحة" التي قامت بها، ما يجعل من عمرها الافتراضي إلى نهاية أيلول (مع مجلس النواب) موضوعاً للنقاش؛ فهي في طور الموت السريري إلى أن تأتي لحظة الموت الطبيعي!حسابات "مطبخ القرار" دخلت في نهاية اليوم في منعرج دقيق وحسّاس، وأصبح النظر يتم إلى الخيارات المتاحة من "خرم الإبرة" وبدرجة كبيرة من التعقيد.

ولعلّ هذا بحد ذاته يطرح السؤال الشعبي المُلح: ألم يكن بالإمكان أفضل كثيرا ممّا كان؟!

الغد

أضف تعليقك