خلاصات استراتيجية لدراسة التخاصية
أهم وأخطر ما في التقرير التقييمي للتخاصية في الأردن، ليس الكشف عن وجود أخطاء وانحرافات وفساد محتمل في بعض عمليات الخصخصة، بل هو أمر آخر كشفته اللجنة على غير توقع، يعيد الاعتبار لرؤية وفلسفة اقتصادية معينة سأتحدث عنها بعد قليل.
لعل تقرير اللجنة المكلفة لم يشف غليل الذين كانوا ينتظرون الكشف عن وقائع فساد وسطو على "مقدرات الشعب الأردني"؛ إذ اكتفى التقرير بالإشارة إلى غياب معايير الشفافية والممارسات الفضلى لعملية الخصخصة المتعلقة ببعض الشركات. لكن، يجب التذكير أن مهمة اللجنة كانت التقييم وليس التحقيق، وهي حيثما وجدت أن الإجراءات شابها انحراف عن معايير الشفافية والاستقامة، وجهت انتباه هيئة مكافحة الفساد للتحقيق في الموضوع. ويجدر التذكير أيضاً أن مجلس النواب السادس عشر كان أنشأ لجان تحقيق في العديد من عمليات الخصخصة. وبينما فشلت بعض اللجان بالقيام بعملها بالشكل الصحيح، مثل لجنة التحقيق في سكن كريم؛ وتم حلّ لجان أخرى قبل أن تصل إلى نتيجة، فإن لجنة "الفوسفات" وصلت إلى نتائج مذهلة، أحبطها تصويت الأغلبية ضد إحالتها للمدعي العام. وللمفارقة، فإن هيئة مكافحة الفساد التي كانت تحقق في أداء الشركة ما بعد الخصخصة، أظهرت قضايا فساد كبرى، أدت إلى محاكمة تاريخية. والآن، فإن الهيئة لا بد ستعود لفتح ملف إجراءات الخصخصة، في ضوء تقرير اللجنة الذي أوصى بذلك.
الحقيقة أن جلالة الملك عالج هذا التاريخ الخلافي للخصخصة بالقرار الأمثل، وهو إجراء دراسة تقييمية شاملة من قبل لجنة محايدة وموثوقة لبرنامج الخصخصة الذي طُبّق؛ أكان من حيث سلامة واستقامة الإجراءات، أو من حيث النتائج والأثر الاقتصادي لهذا الخيار الذي كان قد أضحى توجها عالميا سائدا منذ نهاية التسعينيات. وقد أعطت رئاسة الدكتور عمر الرزاز للجنة المصداقية والثقة الضرورية، وجاء التقرير بالفعل ليعكس عملا علميا نزيها، يمكن الاستناد إليه في السياسات المستقبلية. فعملية الخصخصة ليست بذاتها شرا أو خيرا؛ بل يمكن أن تكون هذا أو ذاك، تبعا لنوع المؤسسة وحسن إدارة العملية. ففي بعض الحالات، لم تكن الخصخصة ذاتها هي القرار الأمثل، وفي أحيان أخرى، شابت إدارة العملية شبهات وهدر عوائد مهمة للخزينة.
لكن الاستخلاص المهم جدا الذي وصل إليه التقرير وثبته في غير موقع، هو أن أفضل عمليات الخصخصة التي أدت إلى نتائج إيجابية للمؤسسات المعنية وللدولة، كانت تلك التي جرى فيها خصخصة الإدارة والتشغيل، وليس بيع الأصول.
كانت هذه بالضبط خطتنا وسياستنا البديلة التي اقترحناها منذ بداية ظهور مشاريع الخصخصة؛ أن نبدأ بخصخصة الإدارة والتشغيل لجهات متخصصة، ثم نرى لاحقا في بيع أسهم الدولة، إذا كان ذلك ضروريا، في الوقت المناسب وبسعر أفضل. وقد كان أعداء الخصخصة يستشهدون بارتفاع أسهم الشركات إلى أضعاف قيمتها بعد الخصخصة، كدليل على وجود فساد في عمليات البيع "بسعر بخس". والأكثر دقة أن ذلك كان دليلا على خطأ الخصخصة بالبيع المسبق للأصول، بدل خصخصة الإدارة والتشغيل لفترة كافية من الوقت، تعطي الصورة الحقيقية للقيمة السوقية لأسهم الشركة. وهذه ليست حكمة بأثر رجعي، بل مقترحات موثقة منذ بداية برنامج الخصخصة.
الغد