خرج ولم يعد..!

خرج ولم يعد..!
الرابط المختصر

مذكرة طرد السفير الاسرائيلي انتهت امس بتصريحات لوزير الاعلام مفادها ان “الرجل خرج ولم يعد” والتفاصيل - طبعا - معروفة، فقد تلقى السفير يوم الخميس الماضي “احتجاجا” من الحكومة، ثم سارع على الفور الى “حمل رسالة شديدة اللهجة الى حكومته”.

ازمة “السفير” اذن انتهت، والمذكرة “النيابية” التي تم “تعليقها” فقد صلاحيتها، وبوسعنا ان نعود الى ممارسة اعمالنا كالمعتاد، وبوسع اخواننا النواب ان يبحثوا عن ملفات اخرى تشغلهم في الايام القادمة.

هذه - بالطبع - مناسبة للتذكير بعدة مسائل، اولاها ان مشكلتنا ليست - فقط - في النوايا والافكار، وانما في حالة “الضعف” التي تجعلنا عاجزين عن مقاربة الاحداث وفهمها وصولا الى اتخاذ القرار المناسب، وحالة الضعف هذه ليست عيبا بحد ذاتها، وانما العيب ان “نتواطأ” على قبولها والسكوت عليها، بل واعتبارها أحيانا دليلا على الصحة والقوة والعافية.

والمسألة الثانية ان “الحماس” وحده لا يكفي، فقد جربناه على مدى اكثر من عامين في حراكات ملأت شوارعنا لكن ماذا كانت النتيجة؟ انها - بالطبع - متواضعة جدا، والسبب واضح وهو اننا اندفعنا بفعل الحماس الى تجاوز بديهات اساسية، اهمها ان اية حركة نحو التغيير تحتاج الى اقناع الناس بها، ثم ايجاد حاضنات اجتماعية تحملها، ثم انتاج “حالة” عامة لديها ما يلزم من “قابلية” للاحساس بالخطر والاجتماع على مواجهته، وكل ذلك يحتاج الى “نخب” قائدة لا مجرد “رؤوس” تمشي في الشارع.

اما المسألة الثالثة فهي ان الحكم على النواب والاسراع، الى ادانتهم واتهامهم وتحميلهم مسؤولية “خيبة الامل” قضية تحتاج الى اعادة نظر، صحيح انهم اصبحوا جزءا من المشكلة، لكن الصحيح ايضا انهم “ضحايا” لمناخات مجتمعية وسياسية مليئة بالغبار، ولقانون لم يفرز من المجتمع افضل ما فيه، ولتجربة حزبية سياسية فاشلة، وبالتالي فنحن “اقصد المجتمع” شركاء معهم في التهمة.. ومسؤولون مثلهم عن النتيجة.

المسألة الرابعة: كل ما نشكو منه، سواء على الصعيد السياسي او الاجتماعي او الاقتصادي، ونقصد - اليوم - مواجهته ببعض الحلول، هو نتاج لعقود من “نكران” الامراض والاخطاء، وبالتالي لا يمكن ان نضع اقدامنا على طريق السلامة الا اذا توجهنا الى العنوان الصحيح “للاصلاح” ابتداء من “المجتمع” وبنيته الاخلاقية والتعليمية والدينية وصولا الى “الدولة” ومعادلاتها السياسية.

المسألة الخامسة هي اننا اصبحنا نخشى من تولد قناعات لدى البعض بان “مرحلة” التحولات الشعبية التي اجتاحت عالمنا العربي انتهت الى غير رجعة، وان بمقدورنا ان نتصرف وكأننا “نجونا” من تسونامي “التغيير” او كأن “الاصلاح” اصبح وراء ظهورنا وهذا التصور غير الصحيح الذي يحاول البعض “ترسيخه” عبر المقاربة بين ما آلت اليها مشاهد الثورات في بعض الدول من “دمار” ودم، وبين ما كانت عليه قبل ذلك، ربما يفيد مرحليا لكنه لن ينفع في المدى البعيد.

اخر هذه المسائل هي ان ما نتابعه من حملات “للتعبئة” والتحشيد سواء على صعيد العلاقة مع الكيان الصهيوني تحت عنوان “طرد السفير” او على صعيد ملفات الداخل الساخنة، ستفضي - بالتأكيد- الى حقن الشارع في اتجاهات معروفة، وربما تكون مطلوبة، لكن ماذا لو اكتشف الناس بان هذه “التعبئة” توظف لأمور غير مفهومة، او انها غالبا ما تنفس بقرارات غير صحيحة، الا ندفعه عندئذ الى البحث عن “قنوات” للتصريف وفق ما يجتهد..؟ اليس من الممكن ان تكون ممارسات “العنف” التي نرفضها جزءا من الردود والاقنية التصرفية؟ ثم الا نحتاج لمزيد من العقلانية سواء في الخطاب او في السلوك او حتى في صناعة الازمات؟

الدستور

أضف تعليقك