حكومة تأزيم

حكومة تأزيم
الرابط المختصر

منذ اليوم الاول لتشكيل حكومة سمير الرفاعي والعلاقة بينها وبين فعاليات المجتمع المختلفة في حالة تأزيم مستمر رغم ان الكثير توقعوا مرونة في تلك العلاقة لاسباب منطقية ابرزها غياب القوى الرسمية المشاغبة وخلو الساحة من المؤسسات الضاغطة مثل مجلس النواب.

الكثير يرى ان الحكومة كانت مبادرة لفتح ملفات التأزيم, وانها كانت تبحث على الدوام عن اي جديد لتعكير صفو العلاقات في المجتمع, وانها تعالج اخطاء الحكومات السابقة بمزيد من الاخطاء والارهاب الفكري والقسري على المجتمع.

مدونة سلوك الوزراء التي وقعها اعضاء الحكومة في اول جلسة لهم هي عبارة عن "كلاشيه اعلامي" لكسب شعبية ليس لها اساس, بدليل ان تلك المدونة تخلو من أية ضمانات مؤسسية لما بعد رحيل الحكومة, بمعنى انه لا يوجد من سيلزم أية حكومة مستقبلية بتنفيذها, لا بل ان السادة الوزراء العاملين الذين وقعوا عليها وبعضهم كان كارها لن يطبق تلك المدونة, فعلى سبيل المثال وزير الاتصالات لن يستطيع ان يعمل في اي وظيفة او منصب في القطاع الخاص له علاقة بتكنولوجيا المعلومات حسب المدونة قبل عامين من تركه لمنصبه, فماذا سيعمل? هل سيصبح مقاولا او سمسارا وهذا هو الحال لوزير الدولة للشؤون القانونية, وهو محام في السابق هل سيترك مهنة المحاماة ويمتهن مهنة اخرى وكيف سيكون الوضع بالنسبة لوزير الصناعة الذي يتعامل مع كل فعاليات القطاع الخاص.

ان الذي يراقب الاداء الوزاري ومدى التزامهم بالمدونة هي مؤسسات الدولة الرقابية المختلفة من مجلس الامة وديواني المحاسبة والرقابة والتفتيش والاحزاب والاعلام وليس الحكومة كما هو معمول به الآن.

الحكومة ارادت ان تنظم العلاقة مع وسائل الاعلام, فاخترعت ما يسمى بمدونة السلوك الاعلامي التي بموجبها اوقفت اشتراكات الصحف عن المؤسسات الرسمية بحجة اعادة تنظيم العلاقة وضبط الحالة اللاأخلاقية التي كان يمارسها المسؤولون في السابق من حيث الأعطيات وشراء ذمم الصحافيين مقابل التستر على اعمال المسؤولين السلبية والنفاق لهم امام الرأي العام, فكانت المعالجة ان تم قطع الاشتراكات من دون ان يتم فتح ملفات الأعطيات والرشاوى التي كانت تمارس من قبل بعض اجهزة الحكومة ومحاسبة المسؤولين عن ذلك.

الحكومة ارادت ان تعالج مشاكل عمال الزراعة وقناة ال¯ ATV والمعلمين وموظفي شركات الكهرباء فكانت الاعتصامات تلو الأخرى منتشرة في شوارع المملكة في تصعيد داخلي لم يشهده المجتمع منذ عقدين من الزمان.

الحكومة ارادت ان تنظم علاقتها مع المواقع الاخبارية الالكترونية فحجبت المواقع بلا استثناء عن مؤسسات وهيئات الدولة بحجة انهم يريدون موظفا متفرغا للعمل العام, اضافة ان جلوس الموظف امام الانترنت يكلف الخزينة حوالي 70 مليون دينار سنويا عن كل ساعة حسب اجتهاد وزير الاتصالات, كاشفا بذلك السر الخفي وراء تنامي عجز الموازنة الحقيقي, ولا احد يعلم اليوم اذا ما كان قطاع الاتصالات مدرا للدخل وعاملا للتنمية أم انه مفسد للادارة ومسبب في خسارة خزينة المال العام, وتجاهلت الحكومة حقيقة ان اكثر من نصف جهاز الدولة الوظيفي بلا عمل حقيقي وانهم لا يختلفون شيئا عن العاطلين عن العمل في الخارج سوى انهم يجلسون على مكاتب.

الحكومة بسلوكياتها المتأزمة تثير استياء الشارع العام وتخلق اجواء "بوليسية" وتساهم فعليا بكبت الحريات, خاصة مع تطبيق مدونة السلوك الوظيفي الاخيرة التي لا تسمح لأي موظف بالتعبير عن آرائه او نقل مطالبه, في حين يرى المواطن حزمة متكاملة من مشاريع الفساد بدأت تطفو على السطح وسلسلة تعيينات تتسم بالمزاجية الشخصية وبعيدة عن الكفاءة والمؤهلات في تحد علني لمشاعر الاردنيين واستفزازهم, وكأنها تشتري غضبهم وتبحث عن اي شيء يُثيرهم ويزيد سخطهم.