حكايات عمانية
وصل الى عمان ، بعد ان اغلق مطعمه في الولايات المتحدة ، وعرضه للبيع دون ان يشتريه احد ، كانت الدنيا رمضان هنا ، وهو في ضنك كبير من وضعه السيئ.
وصلته قصة عدد من المساجد في ذلك الجبل في عمان وقد انقطع عنها الماء ، جراء ازمة صيفية ، راح واتفق مع اصحاب صهاريج مياه ، وحل مشكلة المياه في المساجد ، كنا يومها في الخامس والعشرين من رمضان ، حين وصل الماء الى ستة مساجد على حسابه وهو المدين ، ليشرب الناس ويأخذوا الماء حتى الى بيوتهم ، وليتوضأ المصلون ، ولا انسى ابداً انه في ليلة احياء ليلة القدر خرج من صلاته ليتصل بي باكياً ، وليقول ان الله قبل صدقه ، وان مطعمه بيع بثلاثة اضعاف سعره ، معوضا خسائره ، معتبراً ان السر في الماء الذي قدمه لبيوت الله ، وهو بالكاد يملك مصاريف رمضان.
القصة تقول ان من كان به كرب ، فليعمل عملا صالحاً لوجه الله ، فيفك كربه ، واذا ضاقت بك الدنيا ابحث عن يتيم او فقير او مريض ، وتقرب الى الله عبره ، ولا تقل مالي قليل ، فالعبرة بالنية ، وليس بقلة المال او كثرته.
احدهم قرأ قصة انسانية لايتام ، وهو في الطائرة ، عائدا الى عمان في رمضان في زيارة ، واتصل بالعائلة ليزورها ، وليساعدها وهي تستأجر بيتا في منطقة شعبية معروفة. الرجل كان في سابق زمانه نجارا متدربا. غير ان الله اغناه ، فبات تاجراً غنياً جداً ، لا يعد ملايينه. حين وصل الى بيت الايتام ليلا ، وقف عند مدخل العمارة يبكي مثل طفل ، تبلل وجهه من البكاء. لان الله اراد تذكيره بالفقراء ، وتذكيره بنفسه. كانت المفاجأة ان الرجل الثري كان قبل اربعين عاما يتدرب على النجارة في ذات الطابق الاول من العمارة ، التي بها الايتام ، وكان يتلقى حصته من الضرب الشديد والاهانة ، ودارت به الايام وعاد بعد اربعين عاماً الى ذات العمارة مليونيرا ، ليساعد ايتاما. كان يبكي وهو يقول "قسا قلبي على الناس واوقفني الله هنا" حتى يقول لي.. هل تتذكر ألمك وفقرك هنا ، هل تتذكر كيف كنت لاتجد رغيف الخبز بل وتنام في المنجرة. بكى الرجل وصعد الى العائلة وكان نصيبها منه بيتا باسمهم ، وراتبا شهريا ، وتعليم من فيه.
والقصة تقول ان الله يعز ويذل ، وان من سلبك قادر على ان يعطيك ، وان من اعطاك قادر على سلبك ، وان العبرة ليس في تحديث نفسك بالخير وانت معدم ، ولكن بفعلك الخير وانت ثري وميسور ، فلا تنسَ ما كنت ذات يوم.
كانت الام حائرة في ابنتها الفقيرة جدا ، والمعدمة كحالها ، فهي على وشك الولادة ، الاب متوفى ، وزوج البنت لا يجد ديناراً لطعام اولاده ، والبنت في ايام ولادتها تعيش عند امها في الايام الاخيرة من رمضان ، وهي بحاجة الى عملية قيصرية ، كلفتها خمسمائة دينار ، حتى وصل ذاك المتبرع الى العائلة التي لا يعرفها ، وحين دخل الى البيت ورأى حالة من فيه جن جنونه ، فتبرع للابنة الحامل بخمسمائة دينار للولادة ، وحين رأى حالة البيت وحالتهم ، اكمل المبلغ الى خمسة الاف دينار ، كان مطأطئ الرأس لا ينظر في وجه احد. دفع المبلغ وهو حزين جدا على العائلة. كانت المفارقة ان السيدة حاولت ان تتعرف عليه ، وسألته عن اسمه واسم عائلته ، وبعد ان ذكر اسمه ، قالت له.. ألست ابن فلان؟قال بلى. قالت يالهذه الدنيا.. هل تعرف ان زوجي قبل خمسين عاما ، انفق على اسرتكم لعامين ووالدك في السجن ، وان زوجي جعلني ذات يوم ابيع ثلاث اساور لاجراء عملية لك وانت طفل ، يا لهذه الدنيا الصغيرة ، وكأن المال يعود مثنى وثلاث ورباع ، والخير لا يضيع.
والقصة تقول ان فاعل الخير ، لا يضيع اجره. مالا او ستراً او صحة. دنيا او آخرة. فالذي عمل المعروف قبل خمسين عاما ، عاد معروفه اضعاف لمن بعده ، بعد كل هذه الفترة على يد الابن الذي لم يكن يدري انه يسدد دين العائلة اساسا ، ويرد اليها معروفها.
ايام قليلة تفصلنا عن رمضان ، فلا تجعلوه شهراً للجوع او الغضب او التفاخر الكاذب او المزاحمة ، اجعلوه شهرا لله ، في كل تصرف ، وتذكروا غيركم ، فلا تحل لكم فيه بركة ، اذا لم تنالوا دعاء فقير او محتاج او يتيم او مريض او معدم او مظلوم ، ولا تحل لكم فيه بركة ان لم تفعلوا الخير لجار او اخ او اخت ، ولا تحل لكم فيه بركة ان لم تعيدوا الحقوق لاصحابها.
اسقوا عباد الله العطشى فيسقيكم الله.