حزمة القرارات الاقتصادية المؤلمة تكشف أسرار الخلطة "الوزارية"

حزمة القرارات الاقتصادية المؤلمة تكشف أسرار الخلطة "الوزارية"
الرابط المختصر

يمكن الآن فهم أسرار تلك العلاقة الوزارية الغريبة التي تجمع شابا طموحا من طراز سمير الرفاعي بقطبين من الحرس القديم هما رجائي المعشر ونايف القاضي في مثلث رؤوس يدير الحكومة الحالية .

ويمكن فقط في لحظة الحقيقة الاقتصادية الصعبة فهم السبب الذي يدفع الرئيس الرفاعي 'لاحتمال' إزعاجات وأحيانا مناكفات مستمرة تصدر عن دائرة نواب الرئيس، فالقرارات الصعبة والمؤلمة التي تجرأت وزارة الرفاعي واتخذتها بهدوء قبل يومين لا يمكن مواجهتها بحكومة شابة ولا بوزارة يقف رموز الحرس القديم بعيدا عنها. بالتوازي يمكن الآن فقط فهم خلفيات بعض الإستقطابات الذكية التي قام بها الرفاعي مبكرا سواء عندما تعلق الأمر بالتضحية من أجل الإستعانة بخدمات شخص إشكالي من طراز صالح القلاب في قمة الهرم الإعلامي الرسمي او عندما يتعلق بإجلاس كاتب صحافي مهم من طراز سميح المعايطة في المساحة المخصصة للجهاز الإستشاري.

يحلو لبعض المراقبين الآن الإسترسال في التحليل والقول بأن قرارات صعبة من طراز فرض ضرائب جديدة ورفع أسعار المحروقات والعمل بوضوح على تعويض ما قيمته 500 مليون دينار من عجز الموازنة عبر اللجوء لجيوب المواطنين. هذه القرارات ستكون صعبة أكثر لو كان رجائي المعشر مستمرا بالجلوس على منصته الإعلامية - المالية الضخمة التي تخصصت بقصف وصفات الليبراليين. وهي قرارات ستكون معقدة أكثر نسبيا لو بقي نايف القاضي خارج دائرة الحكم مسترسلا في نغمة التحذير من بيع البلد ولو لم يتول إدارة مؤسسة التلفزيون، وهي إحدى أعقد المؤسسات الرسمية، شخص من طراز صالح القلاب يستطيع طرد العشرات من أبناء العشائر من المؤسسة المترهلة وهو يحتسي فنجان قهوة ودون ان يتأثر باعتصامات المفصولين أو دون ان يتجرأ أي كان على تهديده برصاصة ثمنها خمسة قروش، كما قيل يوما لأحد المدراء من أبناء الأقلية الشركسية.

وليس سرا انها قرارات كان يمكن ان تولد بعملية قيصرية معقدة لو لم يكن معلنها صاحب الوجه الودود والمبتسم وزير المالية محمد أبو حمور الوزير الوحيد تقريبا في طبقة النخبة الذي تملّك شقة متواضعة بالتقسيط، او لو لم يكن إلى جانب الرئيس الرفاعي في الأثناء أحد أكثر الأقلام كتابة في الماضي عن أوجاع الناس وتجاهل الحكومات وهو المعايطة الكاتب.

اذا باختصار شديد يحصل أي مراقب مهتم ومتابع على إجابة مباشرة ومجانية الآن على السؤال القديم: لماذا حشر الرفاعي كل هذه الشخصيات والألوان والنكهات في وزارة واحدة ؟.. الجواب هنا لا يخلو من البساطة فالهدف واضح جدا وهو'التمكن من تمرير حزمة القرارات الصعبة التي ساهمت قرارات مماثلة عام 89 بإسقاط حكومة والده المحنك زيد الرفاعي.

والمفاجأة الموازية ان الرفاعي يتمكن بطريقة غير مفهومة من تمرير هذه القرارات وفرضها وجعلها في بعض الأحيان مطلبا نخبويا لشركائه في الحكم في الوقت الذي يستعد فيه لانتخابات عامة وعد الناس بأن تكون نزيهة بكل تفاصيلها، وهو أمر لم يحصل ولا أحد يتخيل حصوله حيث لا يتجه الرؤساء بالعادة للمعركتين معا.

ويفعل الرفاعي ذلك بذكاء وفطنة ومسؤولية غير عابىء بالتحذيرات ولا التهديدات ولا بالشعبية، وحتى ينجح لابد ان يتجنب التعديل الوزاري مرحليا او مؤقتا على الأقل، ولا بد ان يحتمل مناكفات من يجلس في كرسي النيابة له مهما كانت، وفي كل الأحوال فأي خلل في الفريق الآن ستكون كلفته باهظة سياسيا وإعلاميا.

ذلك مثلا لا يجد الرجل مبررا للتعديل الوزاري وعندما يسأل عنه يقول: سأعدل في واحدة من حالتين الأولى إرتكاب أي وزير زميل لخطأ فادح لا يمكن تجاهله، والثانية عدم التزام الزملاء بالبرامج والمشاريع التي كلفوا بها، ويضيف: حتى الآن لم يحصل ذلك فلماذا التعديل؟.

ما يفعله الرفاعي وهو يحمل الملفات الصعبة معا ذكي وينطوي على مبادرة، لكن في الأفق ثمة حقيقة وهي 'الألم' الذي سيتسبب به لجسد المجتمع والشارع تحصيل نصف مليار من الناس والمواطنين.. هل يمكن احتماله بدون أعراض جانبيه؟.