حجب الثقة عن الحكومة بعد البيان الوزاري

حجب الثقة عن الحكومة بعد البيان الوزاري

بعد أن انفض سامر البيان الوزاري وحصلت حكومة الدكتور عبد الله النسور على ثقة ما مجموعه (82) نائبا، بدأ رئيس الوزراء مباشرة مهامه الدستورية منتشيا بثقة المجلس المنتخب لتنفيذ ما جاء في بيانه الوزاري. إلا أن على النسور أن يعي أن حصول حكومته على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري ليس نهاية المطاف بل بدايته، حيث يملك مجلس النواب وفي أي وقت الحق الدستوري بأن يعيد طرح الثقة بالحكومة كاملة أو أحد الوزراء فيها وذلك استنادا لأحكام الفقرة الأولى من المادة (53) من الدستور والتي تنص على أن تعقد جلسة الثقة بالوزارة أو بأي وزير فيها إما بناء على طلب رئيس الوزراء نفسه أو بناء على طلب موقع من عدد لا يقل عن عشرة أعضاء من مجلس النواب. فالثقة على البيان الوزاري وإن كان شرطا لإضفاء الشرعية الدستورية الكاملة على كل وزارة جديدة تؤلف، إلا أن ديمومتها يعتمد وبشكل أساسي على قدرتها على المحافظة على ثقة أعضاء مجلس النواب، بحيث إذا ما فقدت تلك الثقة في أي وقت من الأوقات وجب عليها أن تستقيل وفق أحكام الدستور.

ومن خلال استقراء النص الدستوري السابق يتبين أن المشرع الدستوري قد رسم طريقين لإعادة طرح الثقة بالحكومة الأول بناء على طلب موقع من عدد لا يقل عن عشرة نواب، والثاني بناء على طلب رئيس الوزراء نفسه. وهنا يثور التساؤل حول الحكمة من إعطاء رئيس الوزراء الحق الدستوري في أن يطلب إعادة طرح الثقة بحكومته أو أحد الوزراء فيها، وما إذا كان من الممكن أن يبادر رئيس الوزراء إلى التضحية بمنصبه أو أحد أعضاء فريقه الوزاري أمام مجلس النواب.

إن المشرع الدستوري لم يكن يلغو عندما أعطى الحق لرئيس الوزراء في أن يطلب من مجلس النواب إعادة طرح الثقة بحكومته كاملة أو احد الوزراء فيها، فالمبررات الدستورية لمثل هذا الإجراء تكمن في تجديد ثقة مجلس النواب بالحكومة إذا ما قرر عدم حجب الثقة عنها، وبالتالي إطالة عمرها في الدوار الرابع. أما قيام رئيس الوزراء بطلب طرح الثقة بأحد وزرائه أمام مجلس النواب فإن مبرره يتمثل في إخضاع أي وزير يخطئ إلى رقابة مجلس النواب ليقرر مصيره، فإذا ما حجب مجلس النواب الثقة عن الوزير وجب عليه أن يستقيل فيقوم بعدها رئيس الوزراء بالتنسيب باختيار من يخلفه بعد أن يكون قد سجل موقفا شعبيا ودستوريا أمام مجلس النواب. أما إذا لم يحجب مجلس النواب الثقة عن ذلك الوزير، فإن رئيس الوزراء يكون قد كسب الرهان في علاقته مع مجلس النواب والرأي العام.

في المقابل، فإن ما مجموعه عشرة من أعضاء مجلس النواب يملكون الحق في التقدم بطلب تحديد جلسة لطرح الثقة بالحكومة أو أحد الوزراء فيها، حيث منح المشرع الدستوري هذا الحق لمجلس النواب من دون الأعيان على اعتبار أنهم منتخبون من الشعب بصورة فيها محاباة شرعية لمجلس النواب على حساب مجلس الأعيان.

وبعد أن يتم تحديد جلسة لطرح الثقة بالحكومة كاملة أو أحد الوزراء فيها، فقد أعطى الدستور الأردني الحكومة أو الوزير المعني الحق في أن يطلب تأجيل الاقتراع على الثقة لمرة واحدة فقط لا تتجاوز مدتها عشرة أيام وذلك وفقا لأحكام الفقرة الثانية من المادة (53) من الدستور. وقد هدف المشرع الدستوري من تأجيل الاقتراع على الثقة إعطاء الحكومة أو الوزير المعني فرصة أخيرة لتدارك الموقف وتصحيح ما يمكن تصحيحه من أخطاء للحيلولة دون حجب الثقة. وخلال فترة تأجيل الاقتراع فقد حظر المشرع الدستوري على الملك أن يحل مجلس النواب وذلك لكي لا يكون الحل سلاحا تلوح به السلطة التنفيذية في مواجهة مجلس النواب بشكل يؤثر على مجريات الرقابة السياسية التي يمارسها والتي من أهمها حجب الثقة عن الحكومة أو أحد الوزراء فيها.

أما الأحكام السلبية في الدستور الأردني حول طرح الثقة بالحكومة أو أحد الوزراء فيها فتتمثل في آلية التصويت على حجب الثقة. فقد تضمنت التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2011 تغييرا إيجابيا في آلية التصويت على البيان الوزاري للحكومة بحيث أصبح التصويت إيجابيا والذي يشترط أن يصوت لصالح الثقة بالبيان الوزاري للحكومة الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب، ذلك بعد أن كان التصويت سلبيا يتم على أساس عدم حجب الثقة عن البيان الوزاري للحكومة بالأغلبية المطلقة. إلا أن المشرع الدستوري وللأسف الشديد لم يطبق آلية التصويت الجديدة التي فرضها على البيان الوزاري على التصويت على إعادة طرح الثقة بالحكومة أو أحد الوزراء فيها والتي بقيت كما هي دون تعديل تصويتا سلبيا ضد الحكومة والذي يشترط لحجب الثقة أن يقرر مجلس النواب عدم الثقة بالحكومة أو أي من الوزراء فيها بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه وذلك وفقا لأحكام المادة (54) من الدستور.

إن التبرير الذي ساقته الحكومة وقت إقرار التعديلات الدستورية الأخيرة للاختلاف في آلية تصويت مجلس النواب على الثقة بالبيان الوزاري للحكومة وعلى حجب الثقة عنها هو أنه إذا طلبت الحكومة الثقة من مجلس النواب من خلال بيانها الوزاري فإنه يتوجب عليها أن تحصل على الأغلبية المطلقة، أما إذا ما أراد مجلس النواب أن يطرح الثقة بالحكومة فيجب أن يتم حجب الثقة عنها بالأغلبية المطلقة.

مثل هذا التبرير يخالف أبسط قواعد العدالة الدستورية والتي تفترض أن تكون آلية التصويت على الثقة بالحكومة ثابتة لا تتغير سواء عند منحها الثقة لأول مرة أو عند طرح الثقة عنها. فالإبقاء على آلية متشددة لطرح الثقة بالحكومة أو بأحد الوزراء فيها ينطوي على نوع من العقاب لمجلس النواب على ممارسته لصلاحياته الدستورية في الرقابة السياسية على أعضاء السلطة التنفيذية، فالمجلس يجب أن يراقب جميع القرارات والأعمال التي تصدر عن الحكومة والمتعلقة بالشأن العام بنفس الأسلوب والكيفية التي راقب فيها على البيان الوزاري.

ومن أهم سلبيات التصويت السلبي على طرح الثقة أن الحكومة لا تكون معنية بالنواب الذين يمنحوها الثقة بقدر ما تكون معنية بأن لا يحجب الثقة عنها النصف زائد واحد من عدد أعضاء مجلس النواب، وهو الأمر الذي سيدفع الحكومات والوزراء فيها إلى عقد تفاهمات مع النواب على عدم حجب الثقة عنها وذلك إما من خلال الامتناع عن التصويت أو الغياب عن جلسة طرح الثقة، وهو ما سيصب في مصلحة الفريق الحكومي.

كما أن الإبقاء على معيار عدد النواب الذين يحجبون الثقة عن الحكومة لضمان بقائها يشكل مظهرا من مظاهر هيمنة السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية ذلك أن النائب الذي يمتنع عن التصويت أو الذي يتغيب عن جلسة الثقة يعد بمثابة أنه قد منح الثقة للحكومة. فبموجب الآلية الحالية يمكن للحكومة أن تستمر في عملها حتى لو لم يمنحها أغلبية النواب الثقة، وحتى لو كان من حجب الثقة عنها أكثر ممن منحها إياها ولكن المهم أن لا يحجب عنها الثقة نصف عدد أعضاء مجلس النواب زائد واحد. كما أن الوزير الذي يحجب عن الثقة ما مجموعه (75) نائبا يبقى محتفظا بمنصبه الوزاري على الرغم من عدم حصوله على ثقة مجلس النواب وذلك على أساس أنه لم يحجب عنه الثقة (76) نائبا كما يشترط الدستور.

إن على مجلس النواب أن يبادر إلى اقتراح تعديل المادة (54) من الدستور من أجل توحيد آلية تصويت النواب على الثقة بالحكومة سواء على بيانها الوزاري عند تشكيلها لأول مرة أو في أي وقت آخر من عمرها وذلك من خلال اشتراط أن يصوت الأغلبية المطلقة من أعضاء مجلس النواب على الثقة بالحكومة وبخلاف ذلك فإنها تكون ملزمة على الاستقالة سواء أكان التصويت في مرحلة تقديم البيان الوزاري أو في أي مرحلة لاحقة على ذلك أثناء تطبيق مبدأ المسؤولية الوزارية بشقيها الفردية والجماعية.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

العرب اليوم

أضف تعليقك