ثقافة نصف قرن من الدكتاتورية

ثقافة نصف قرن من الدكتاتورية
الرابط المختصر

نصف قرن من الزمن ويزيد مر على الحكم الدكتاتوري الفردي المطلق، العسكري الثوري الأمني البوليسي القمعي، الذي ربض على صدور العرب وأدى إلى ولادة أجيال كاملة في أجواء قمعية، أدت إلى تسرب ثقافة الاستبداد إلى أعماق النفس العربية، ولذلك أصبحت اللغة السياسية لغة قمعية، والخطاب السياسي خطاباً قمعيا بامتياز، وإن تم استخدام مصطلحات الديمقراطية وألفاظ الحرية، لكن نجد أن الخطاب يخالف السلوك ويخالف النوايا المتأصلة في النفس عبر الممارسة الاستبدادية الممنهجة.
نجد كثيرا من أصحاب الأصوات العالية في نقد الآخرين يمارسون في سلوكهم أبشع أصناف الدكتاتورية، ونجدهم في غاية الحماس في الحض على الديمقراطية، ولكن بشرط أن يكون هو الفائز، وبشرط إقصاء الآخر ولو أتيحت له الفرصة فسوف يمارس النفي من الأرض لمن يخالفه، وسوف يطوع كل أدوات الديمقراطية لتصبح أدوات سحق وسحل وتعذيب.
نحن بحاجة إلى وقت كاف حتى تعيد النفوس تكيفها مع مرحلة الحرية والديمقراطية وتقبل الرأي والرأي الآخر، والتعايش مع المخالف في الفكر والدين والمذهب، ونحتاج إلى إرساء ثقافة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع النزيهة، وثقافة الرضى برأي الأغلبية مرات متكررة ومتعددة، نحن بحاجة إلى وقت كاف لنشوء جيل جديد يولد في جو الحرية، ويتشرب ثقافة التعددية واحترام الآخر، ويكف عن ثقافة السب والشتم والردح للمخالف الفائز عند اكتساب ثقة الأغلبية بطريقة حرة تعبر عن إرادة حرة.
وعند ذلك سوف تنتفي عنده لغة الاتهام بالسرقة و الحرمنة والتكويش إذا تم ذلك عبر تنافس شريف وسباق نزيه، نصف قرن من الحرب على الإسلاميين ومحاولة إبعاد هذا الفكر عن الحياة والممارسة، وبذل جهود كبيرة في تشويهه بطريقة ممنهجة أدت إلى غرس ثقافة متأصلة في نفوس بعض الفئات المسيسة وغير المسيسة، تقوم بجوهرها على عدم السماح للإسلاميين بالتنافس عبر صناديق الاقتراع، وعدم السماح لهم بالدخول إلى السباق السياسي، من أجل اكتساب ثقة الجماهير.
ولذلك يجرى اتهامهم بالسعي نحو السلطة، وكأن السلطة والسعي إليها محرم عليهم حلال لغيرهم، وهل هناك حزب سياسي لا يريد الوصول للسلطة أو المشاركة فيها، وعند ذلك سوف تنتفي عنه صفة حزب سياسي، وهل التنافس عبر صناديق الاقتراع هو نوع من أنواع السرقة واللصوصية كما يدعي الخاسرون؟
هذه هي لغة العصر السابق والمرحلة المنصرمة، التي مارس فيه العسكر السطو على الحكم، والاستيلاء على الكرسي، واختلاس المقدرات ونهب المال العام في جنح الظلام وعلى ظهور الدبابات، ومن خلال الانقلابات العسكرية التي ورثتنا هذه الأنظمة، وأورثتنا أحزابا سياسية تدعي الديمقراطية وتمارس ثقافة سحق الآخر ونفيه وإعدامه وتشويهه، وعدم السماح له بالعيش فضلا عن التنافس والسباق السياسي لكل من يطالب بالحرية وتحكيم الإرادة الشعبية.

span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span