لا أدري مَن يحاسب رئيس الوزراء الآن على عدم تنفيذ ما جاء في كتاب التكليف ، خاصة البند المتعلق (بتخفيف العبء على المواطنين). فالحكومة أمعنت في قراراتها الاقتصادية القاسية ضد لقمة عيش المواطنين، وزادت الأعباء عليهم، بدرجة لم تتجرأ أية حكومة سابقة عليها، وهي تستعد الآن لوجبة رفع أسعار الكهرباء والمياه، ودخلنا في شريحة جديدة اسمها جماعة الـ"70 دينار لفاتورة الكهرباء" بعد أن تخلصنا نهائيا من الشريحة المتوسطة، وتم قذفها إلى طابور الفقر المدقع.
الحكومات الخمس الأخيرة التي لا يزيد عمرها مجتمعة على السنتين، وجهت ضربات قاسية لفقراء الأردن الذين عبروا عن مطالبهم المحقّة في الشارع والحراكات، معتقدين أن صوتهم لا بد وأن يسمعه المسؤولون .. وقد سمعوه فعلا ولكنهم أشاحوا وتجاهلوا ورفعوا الأسعار بدلا من تخفيضها.
رغم حالة الانغلاق والتشاؤم التي تعيشها البلاد، إلا أن الساحة السياسية تفتقد إلى مبادرة وطنية متكاملة، لإخراجها من المأزق المركَّب بشقيه السياسي والاقتصادي، والحكومة تدير ظهرها للدعوات المخلصة كلها لإجراء حوار وطني واسع، يفضي إلى حالة من التوافق الوطني والمشاركة الواسعة في الانتخابات النيابية المقبلة، وذلك درءا للانقسام السياسي والاجتماعي.
لا بد من تقديم مبادرة وطنية، تعطي الأولوية لفك الحصار عن الأوضاع المعيشية للمواطنين، والفقراء منهم على وجه الخصوص، ولا بد ان تتحمل السلطة التنفيذية، مسؤولياتها في التخفيف من معاناة الفقراء ومتوسطي الدخل وإشهار معدلات الخطر من تفاقم معدلات البطالة والحرمان والفقر أمام جماعة صندوق النقد الدولي، والاستفادة من المعونات التي بدأت تصل الأردن تباعا "مع تسجيل عدم قناعتنا بالجدوى الاستراتيجية لهذه الحلول".
أطنان من الثرثرات السياسية، تحملها الصالونات ووسائل الاعلام، تحمل من التخمينات والافتراضات أكثر مما تحمل من التحليلات العميقة لبنية النظام السياسي، وبنية الحركة الوطنية بأحزابها وقواها، ثم استنتاج المعادلة الوطنية المطلوبة في ضوء المتغيرات المتسارعة على الصعد كافة، وحاجة النظام السياسي الى اجراء تغييرات ملموسة في نهجه الاقتصادي وآلياته السياسية، وتوجهاته في إدارة شؤون البلاد.
الحالة الوطنية بكاملها تعيش أزمة حادّة، والجواب المقدم من الفاعلين في الرأي العام يتمركز حول: المشاركة في الانتخابات النيابية او مقاطعتها "على أهمية وجوهرية هذا الموضوع"، ثم رفض الاجراءات الاقتصادية الأخيرة:" وهو رفض مشروع، يستدعي الالتفات إليه وتغيير السياسات الاقتصادية التي أوصلت البلاد إلى الأوضاع الحرجة.
المأزق السياسي والاجتماعي الحادّ الذي تعيشه البلاد، يفرض آلياته على العلاقات الداخلية بين السلطة التنفيذية والمجتمع ومؤسسات الدولة المعنية بإدارة شؤون البلاد، والعباد، في ظل غياب مريب لأية مبادرات او مقترحات لحلول للأزمات الحادة التي تهدد الاستقرار السياسي والاجتماعي .
العرب اليوم