تمويل الأحزاب السياسية في الأردن !!!
أعلن وزير التنمية السياسية قبل أيام نية الحكومة إصدار نظام خاص بتمويل الأحزاب السياسية من موازنة الدولة تطبيقا لأحكام المادة (28) من قانون الأحزاب السياسية الأردني رقم (16) لسنة 2012 والتي تنص على أن يتم تخصيص بند في الموازنة العامة للدولة للمساهمة في دعم الأحزاب من أموال الخزينة على أن تحدد شروط هذا الدعم ومقداره وإجراءات صرفه بموجب نظام يصدر لهذه الغاية.
إن دعم الأحزاب السياسية من أموال خزينة الدولة هو حق للأحزاب وليست مكرمة أو منَّة من الحكومة، فالأحزاب السياسية تمارس نشاطاً عاماً يتمثل في تكوين الإرادة العامة للأفراد وتثقيفهم في الحياة السياسية، وهو ما يمكن اعتباره نشاطاً ذا نفع عام، بالتالي فإن تمويل الدولة لهذا النشاط من خلال دعم الأحزاب السياسية التي تقوم به يعتبر التزاما عليها لا يمكن لها أن تتنصل منه.
إلا أنه ما يؤخذ على قانون الأحزاب السياسية الأردني في هذا المجال أنه قد أعطى الحكومة صلاحيات مطلقة في تحديد شروط الدعم المالي المقدم للأحزاب السياسية في الأردن ومقداره وإجراءات صرفه، وذلك من خلال نظام خاص يصدر عنها لهذه الغاية. فقد كان الأجدر بالمشرع الأردني أن يضمن قانون الأحزاب السياسية نفسه نصوصا قانونية خاصة بتنظيم إجراءات الدعم الحكومي للأحزاب السياسية من حيث تحديد مقداره، والأسس الخاصة بمنحه أو حجبه وإجراءات صرفه، وذلك بدلا من أن يتم تقرير مثل هذه المعايير في نظام خاص يصدر عن مجلس الوزراء وفقاً لسلطته المطلقة، بحيث تطبق الحكومة سياسة الثواب والعقاب في تعاملها مع الأحزاب السياسية، وذلك بشكل يتنافى مع أبسط مبادئ الحق والعدل.
إن ما أكده وزير التنمية السياسية من عزم الحكومة التشاور مع الأحزاب السياسية للاتفاق على أسس عادلة وشفافة ومتوازنة لدعم الأحزاب السياسية من خزينة الدولة هو عمل شاق ومضن ولن يأتي بثماره، وذلك لصعوبة اتفاق الأحزاب السياسية في الأردن على مثل هذه الآلية. كما أن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يعزز من قبضة السلطة التنفيذية على الأحزاب السياسية الأردنية بحيث يصبح تمويلها المالي أداة حكومية للتدخل في شؤونها الداخلية وفي برامج عملها وأهدافها، وذلك من خلال التلويح بقطع المساعدات المالية عن الحزب السياسي الذي يعارض سياسات الدولة، ومكافأة الحزب الذي يكبّر ويهلل بقراراتها وسياساتها العامة.
إن الدعم الحكومي للأحزاب السياسية يجب أن لا يستغل للتأثير سلبا على نشاط الأحزاب السياسية وبرامج عملها، وذلك نظرا لخطورة النقص في التمويل المادي للحزب السياسي الذي سيدفع به إما إلى اللجوء إلى مصادر تمويل أخرى إما خارجية أو داخلية لكن بصورة غير مشروعة، فيكون الحزب مطية للجهات الخارجية للتدخل في شؤون الدولة، والتأثير السلبي في مجريات الأحداث السياسية فيها. كما قد يضطر الحزب إلى تعليق نشاطه السياسي كخطوة أولى قبل أن يتم حله، فتكون الحكومة هي من دفعت باتجاه إنكار حق تأليف الأحزاب السياسية والانضمام إليها بطريقة غير مباشرة من خلال حرمانها من الموارد المالية اللازمة لتمكينها من القيام بأنشطتها وتنفيذ برامجها وأهدافها التي نشأت من أجل تحقيقها.
وكحل جذري لهذه المعضلة، فإنه لا بد وأن يتم تعديل قانون الأحزاب السياسية فيما يتعلق بآلية الدعم الحكومي للأحزاب السياسية بحيث يتقرر مقدار الدعم وأسس منحه واستحقاقه في صلب القانون، وليس في نظام خاص بذلك يصدر عن مجلس الوزراء. كما يجب أن يتوسع قانون الأحزاب السياسية في مصادر تمويل الأحزاب السياسية غير الحكومية وذلك من خلال السماح للحزب بقبول الهبات والتبرعات من كل الجهات الأردنية وعدم قصرها على الأشخاص الطبيعيين دون الاعتباريين كالشركات والمؤسسات الأردنية الخاصة. فالقيد الذي يفرضه القانون على الأحزاب السياسية من أن تتلقى أي تبرعات من أشخاص اعتبارية وطنية خاصة، وقصرها على الأشخاص الطبيعيين ليس له ما يبرره قانوناً، إذ إنه يجب أن يسمح للشركات والمؤسسات الوطنية الخاصة أن تقوم بدورها تجاه مؤسسات المجتمع المحلي من خلال تمويل الأحزاب السياسية، خاصة وأن مدراء تلك الشركات قد يقومون بالتبرع للحزب السياسي من حساب الشركة ولكن باسمهم الخاص، مما تنتفي معه الغاية من الحظر.
ولضمان تفعيل النصوص القانونية المتعلقة بالتبرعات والهبات التي يمكن أن تقدم للأحزاب السياسية في الأردن، فإنه يجب فرض التزام قانوني على الحزب بأن يفصح عن أي مبالغ أو تبرعات يتلقاها، وعن الجهات الداعمة والمتبرعة له إذا ما تجاوزت هذه المساعدات مبلغا ماليا معينا، وذلك لتحقيق الشفافية في تمويل الأحزاب السياسية، ومنع استخدام الحزب السياسي من قبل المتنفذين لتحقيق مصالح مالية وشخصية خاصة بهم. فهناك دائما تخوف من أن تكون سياسات وبرامج أي حزب سياسي عرضة للبيع لأكبر عرض يقدم من المانحين والمتبرعين خاصة إذا ما كان ذلك الحزب هو الحزب الحاكم، فيكون بذلك أداة في يد أصحاب المال لتمرير مشاريع قوانين وقرارات تخدم مصالحهم الخاصة بهم مقابل تبرعات مالية تقدم له دون أن يتم الإفصاح عنها. فمن أهم أسس وأركان الديمقراطية الشفافية في الشؤون العامة وإدارتها التي تزدهر في أجواء العلانية، فلا إخفاء ولا خفاء.
خلاصة القول إن أحكام تمويل الأحزاب السياسية في قانون الأحزاب السياسية الأردني بحاجة لمراجعة لتثبيت حق الحزب في استثمار أمواله بطرق قانونية تتفق مع الغاية من إنشائه، وتقرير حقه في الدعم الحكومي وتحديد آليته ومقداره في صلب القانون وليس بنظام خاص يصدر عن مجلس الوزراء. كما يجب على القانون الأردني أن يضفي حماية على أموال الحزب السياسي من خلال اعتبارها في حكم الأموال العامة لغايات تطبيق قانون العقوبات، وعلى القائمين على إدارة شؤون الحزب والعاملين فيه وذلك من خلال اعتبارهم بحكم الموظفين العامين، نظراً لتعلق موضوع تمويل الأحزاب السياسية بقدرتها على مباشرة أعمالها ونشاطاتها السياسية.
* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
العرب اليوم