تقاعد النواب

الرابط المختصر

لم يكن معقولا أن يصادق الملك على تقاعد النواب في الظروف الراهنة.

ولم يكن ممكنا إبقاء الأمر معلقا بانتظار برلمان جديد يضع قانونا أفضل؛ فالمهلة الدستورية نفدت (6 أشهر)، وعدم رد الملك للقانون يساوي المصادقة عليه وسريان مفعوله.

أعرف أن بعض الإخوة والأخوات من نواب المجلس السادس عشر (الأخير) صُدموا، وكانوا ينتظرون نفاذ القانون على أحر من الجمر لظروفهم المادية الصعبة؛ إذ استقال بعضهم من الوظيفة من أجل النيابة، والآن يعودون بلا وظيفة ولا تقاعد، وخصوصا بعض السيدات.

لكن ليس بسبب حالات معينة يمكن أن نقر قانونا سيطبق على الدوام، ويتجاوز على الحق والمنطق والعدالة.

ورغم أني قد أكون أغضبت زملاء وزميلات حين رفضت التصويت لصالح هذا القانون، إلا أنني لم أكن أتخيل أن أتصرف بغير القناعات التي كنت أحملها وأنا في الموقع الذي كنت فيه مواطنا ومراقبا للمجلس، قبل أن أصبح نائبا فيه ومستفيدا من هذا القانون.

أتذكر عندما تم إقرار تقاعد النواب أنني كتبت معارضا بشدة، وشرحت لماذا في عمودي الصحفي.

ولذلك، لم يكن تصويتي مزايدة على زملاء، أو تجاهلا لمشكلتهم؛ فأنا أيضا مع النيابة فقدت عملي السابق، وتوقف اشتراكي بالضمان الاجتماعي.

لكنّ النيابة موقع سياسي تمثيلي لا يجوز التصرف به وفق  مصالح واعتبارات شخصية بحتة؛ هذا ليس حقا للنائب، أو هكذا أفترض الأمر في وجداني ويقيني.

وفي يقيني أن القانون لم يكن صحيحا ولا عادلا، وكان يمكن وضعه بطريقة أكثر توازنا.

وبالطبع، فإن التغيير الذي أدخلته على القانون حكومة سمير الرفاعي؛ بحرمان النواب وحدهم من التقاعد بالكامل وبقائه للوزراء حتى لو خدموا يوما واحدا، لم يكن عادلا، وكان الأصح وضع قانون متوازن ومعقول يراعي المصلحة العامة، ويلقى قبولا من الجمهور، وفق ما نصت عليه بالفعل رسالة جلالة الملك إلى رئيس الوزراء.

كنت قد اقترحت في حينه على الزملاء، بالفعل، أن ندرس تعديلات بديلة جديدة، لكن الأغلبية اختارت تكتيكا واحدا، هو رد تعديلات الرفاعي للاحتفاظ بالقانون القديم، وهو لا يعطي تقاعدا عن النيابة السابقة فحسب، بل يستمر في إعطائها الى جانب الراتب لمن يعود نائبا!

وأنا على يقين أن أي نائب لو كان في موقع  آخر، لكان استنكر الأمر ورفضه رفضا قاطعا!والحقيقة أن غياب المسطرة الموضوعية، وغلبة المصلحة الذاتية الضيقة، موجودان في كل مكان وليس عند النواب فحسب، فنحن أناس تطبع الأنانية والذاتية المفرطة سلوكنا، ونفشل في رؤية الجانب الآخر من كل قضية.

ومصلحتنا الذاتية ترتقي إلى رتبة القداسة، فالمرء يثور ويرغي ويزبد غضبا على أي امتياز يمكن أن يفقده، حتى لو جاء في سياق تصويب وضع عام. ولا يقبل التخلي عن قرش، حتى لو كان الثمن تعطيل كل الإصلاح.

وقد رأينا نماذج لا تحصى على ذلك في موضوع إعادة الهيكلة التي اقتضت تصويب الفوارق والتشوهات، زيادة أو إنقاصا، في الرواتب والامتيازات لمختلف القطاعات.

الغد

أضف تعليقك