تطوير الزراعة يحدّ من أزمة المياه
يعاني الأردن من شُحٍ شديدٍ في مصادر المياه، وبحسب وزير المياه والري فإن "حصة الفرد المائية في الأردن من أقل الحصص عالمياً، إذ تبلغ من 100 – 130 متراً مكعباً سنوياً في جميع الاستخدامات، بينما تبلغ حصة الفرد السنوية في العالم 7500 متر مكعب". تصريح يستوجب أن تستنفر جميع المؤسسات المختصة في أي دولة في العالم، فماذا يحدث في الأردن؟
الإجراءات الأخيرة التي قامت بها وزارة المياه لمكافحة التلاعب بعدادات المياه، ووقف الاعتداءات على الآبار الارتوازية مبشرة، لكنها ترتبط بالكيفية التي يدير بها الوزير الحالي ملف المياه، ولا تعني بالضرورة تحولاً استراتيجياً في السياسات العامة للدولة، وقد تنتهي هذه الإجراءات التي فرحنا بها برحيل الوزير.
يعنى ذلك أيضاً أن إدارة ملف المياه، على أهميته، لا تأتي نتيجة تحول استراتيجي في السياسات العامة للحكومة من ثقافة "تنمية مصادر المياه" إلى ثقافة "تحسين إدارة المياه وترشيد استهلاكه وإعادة استعمال وحماية المصادر المائية".
أولى الخطوات الجذرية في سبيل تحسين إدارة المياه وترشيده تكمن في تطوير إدارة القطاع الزراعي، الذي يستهلك -وفق مختصين- ما يعادل ٧٠٪ من إجمالي الماء المتاح سنوياً مقابل مساهمة مباشرة متواضعة لهذا القطاع في الناتج الإجمالي المحلي تبلغ ٥.٥٪ منه، و٢٨٪ مساهمة غير مباشرة، بالعودة إلى إحصائيات وزارة الزراعة.
يتمثل سوء إدارة هذا القطاع بأشكال عدة، وفي مقدمتها عدم كفاءة أساليب الري المتبعة من قبل المزارعين وقِدمها مما يسبب هدراً للمياه، وكذلك بالاعتداءات المتكررة على مصادر المياه الجوفية، وهنا يسجل للوزارة اتخاذ إجراءات حازمة بهذا الخصوص من خلال وقف تراخيص الأراضي الزراعية المرتفعة، وأخيراً بالاستمرار في زراعة أنماط زراعية تستهلك كميات كبيرة من المياه رغم أن عائداتها المادية قليلة.
شجعت السياسات الزراعية للحكومات المتعاقبة، لغاية وقت قريب، التوسع في زراعة بعض المنتجات مثل الموز والحمضيات من دون النظر إلى معدلات استهلاكها للمياه، وفتَح الباب أمام عملية التصدير لمنتجات زراعية أخرى مثل البندورة والبطيخ والخيار ذات عوائد مادية قليلة بدلاً من تحديد إنتاجها بما يتناسب مع حاجة السوق المحلي فقط، إذ بلغت صادرات البندورة مثلاً لعام 2012 حوالي430 ألف طن بعائد 445 مليون دينار، والخيار 81 ألف طن بعائد 143 مليون دينار. (وزارة الزراعة، التقرير السنوي لعام 2012)
يرى د. أنور البطيخي أنه يمكن تعظيم إنتاجية وحدة المياه في وادي الأردن والمرتفعات والبادية وزيادة ربحيته إذا تحولنا إلى إنتاج الفاصولياء، والفراولة، والزعتر، والنباتات العطرية، والبذور المهجنة. فلماذا لا تتخذ خطوات فاعلة في هذا المجال؟
قامت الوكالة الأمريكيةUSAID ، في عام ٢٠٠٤، بعمل دراسة كاملة للأنماط الزراعية في وادي الأردن حسب ملاءمة الأرض والماء والصنف والعائد، ووضعت خرائط كاملة ملونة وممسوحة لكامل الوادي، فلماذا يتم تجاهل هكذا مجهود؟
يعتقد وزير الزراعة د. عاكف الزعبي أنّ التحول إلى أنواع أخرى من المزروعات ممكن نظرياً، فهناك فعلاً محاصيل كثيرة يمكن أن تزرع وتحقق عوائد أعلى، لكن سبب عدم التحول لواقع عملي منتِج لهذه المحاصيل هو عدم معرفة الناس بها. إذن هي قضية سلوكية! ومن الصعب أن يتحول مزارع من محصول يعتقد نفسه خبيراً فيه إلى محصول مجهول بالنسبة إليه، وهنا يأتي دور الحكومة في عملية الإرشاد الزراعي والحوافز المالية وتنظيم عملية التسويق.
الأمر نفسه ينطبق تماماً على محصول الموز، إذ يقول الزعبي "لماذا أمنع الموز؟ الأفضل تزويده بالمياه، والمياه لها سعر، لماذا لا تستخدم السياسات السعرية في تغيير الأنماط الزراعية؟ بمعنى أن أعطي سعر المياه للموز بضعف ما أعطي للبندورة، وأعطي للبندورة بضعف ما أعطي للفراولة، وبالتالي أتوجه للفراولة وأخفف البندورة وقد أوقف إنتاج الموز. المحصول الذي أرغب بإنتاجه وهو أقل تكلفة مائية، أعطيه المياه بسعر أقل والعكس صحيح".
يؤكد الزعبي أن إيقاف زراعة الموز لا يعدّ قراراً عرفياً، لكن يجب أن يوفر بديلاً له، ويرشد المزارعين لزراعته، ويقدم لهم قروضاً ميسرة لإغرائهم وتحفيزهم، فتغيير محصول أساسي يحتاج إلى برنامج من جانب الحكومة، كما يقول وزير الزراعة، بحيث تُقَر سياسة، ينّفذ بموجبها برنامج ليحدث التغيير.
لو سلمنا بعدم إمكاينة وقف زارعة الموز وغيره بشكل جذري للأسباب التي ذكرها الوزير، فما الذي تنتظره الحكومة للبدء فوراً بفرض تعرفة تصاعدية على أسعار المياه في قطاع الزراعة بحسب كمية استهلاك كل محصول للماء؟ ولماذا لا نقدم تسهيلات وحوافز فورية للمزارعين الذين يقومون بزراعة محاصيل تستهلك كميات مياه قليلة؟ لابدّ أن تملك الحكومة سياسة واضحة للتغيير، وإلا أصبحت حصة شجرة الموز من الماء أكبر من حصة المواطن الأردني!
تمارا خزوز: صحافية وحقوقية أردنية حاصلة على ماجستير صحافة وأعلام حديث، وماجستير قانون التجارة الدولية، وناشطة في مجال الحقوق والحريات العامة.