تصويت العسكريين والمغتربين في الانتخابات النيابية !!!

تصويت العسكريين والمغتربين في الانتخابات النيابية !!!
الرابط المختصر

مرّ مشروع قانون الانتخاب من أروقة مجلس النواب بسلاسة ويسر يحسد عليها خصوصا تلك النصوص القانونية غير ذي صلة بالنظام الانتخابي وتقسيم الدوائر الانتخابية، والتي اعتاد المُشرّع الأردني على تضمينها في أي مشروع قانون لانتخابات مجلس النواب بحرفيتها من دون أدنى اعتبار للتطورات الدستورية التي تشهدها الحياة السياسية في الأردن وفي مقدمتها التعديلات الدستورية الأخيرة. فمن النصوص القانونية التي لم يكلف السادة النواب أنفسهم مناقشتها في ضوء المعطيات الدستورية الجديدة تصويت العسكريين في الانتخابات النيابية. فقد أبقى مشروع القانون على النص التقليدي -في قوانين الانتخاب السابقة -الذي يقضي بايقاف استعمال حق الانتخاب لمنتسبي القوات المسلحة والمخابرات العامة والأمن العام وقوات الدرك والدفاع المدني أثناء وجودهم في الخدمة الفعلية.
إن تصويت العسكريين في الانتخابات النيابية كان ولا يزال نقطة جدلية يصطف حولها فريقان متعارضا الرأي، الأول يطالب بإبقاء العسكريين بعيدا عن الحياة السياسية وجدلها وعدم إقحامهم في مهاترات انتخابية قد تلقي بظلالها على عملهم الوطني داخل المؤسسة العسكرية، في حين يرى الفريق المقابل أن حرمان العسكريين من حق الانتخاب يعد مخالفة دستورية صريحة لمبدأ المساواة بين الأردنيين المقرر دستوريا. ومع ذلك، فقد كان على مجلس النواب أن يناقش وعلى أقل تقدير اقتراح السماح للعسكريين بالمشاركة في الانتخابات النيابية على ضوء إنشاء الهيئة المستقلة للانتخابات والتي سترفع يد الحكومة عن إدارة العملية الانتخابية في كافة مراحلها. فالحجة التي يسوقها أنصار حرمان العسكريين من التصويت في الانتخابات النيابية بأن الحكومة ستعمل على تسخير أصواتهم لصالح دعم مرشحيها والتصويت لهم ضد باقي المرشحين في صناديق الاقتراع قد أصبحت غير ذي جدوى، ذلك أن جلالة الملك نفسه قد ضمن للهيئة المستقلة أن تقوم بعملها بكل نزاهة وحيادية، وأن لا يكون هنالك أي نوع من التدخل الحكومي في مجريات الانتخابات التي ستشرف عليها الهيئة كجهة محايدة ومستقلة.
إن أهمية إعادة مناقشة تصويت العسكريين في الانتخابات النيابية بعد تعديل الدستور وإناطة إدارة الانتخابات بهيئة مستقلة تنبع من الموقف الجدلي غير المفهوم للمشرع الأردني فيما يتعلق بحق الانتخاب للعسكريين، فهم محرومون من التصويت في الانتخابات النيابية بينما يسمح لهم بالمشاركة كأي شخص أردني آخر في الانتخابات البلدية، فما الحكمة من هذا التناقض التشريعي؟
كما أن حرمان العسكريين من حق الانتخاب في الأردن لا يتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتي أجازت فقط وضع قيود على حق أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة وموظفي الإدارات الحكومية بتأسيس الأحزاب السياسية وتأليف الجمعيات وتكوين النقابات والانضمام إليها دون حق الانتخاب. فقد نصت المادة (22) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 على أنه 1- لكل فرد حق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالحه. 2- لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصون الأمن القومي، أو السلامة العامة، أو النظام العام، أو حماية الصحة العامة، أو الآداب العامة، أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم، ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة إلى قيود قانونية على ممارسة هذا الحق. كما نصت الفقرة الثانية من المادة (8) من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 على أنه لا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة أو رجال الشرطة أو موظفي الإدارات الحكومية لقيود قانونية على ممارستهم لهذه الحقوق، والمقصود بالحقوق في هذه المادة هي حق كل شخص في تكوين النقابات بالاشتراك مع آخرين والانضمام إلى النقابة والجمعية التي يختارها.
وحول موضوع تصويت المغتربين الأردنيين في الانتخابات النيابية، فقد جاء رد اللجنة القانونية على الاقتراح الذي قدم بإدراج نص قانوني يقضي للأردنيين في الخارج بحق الاقتراع في الانتخابات النيابية بأن مشروع القانون يسمح بذلك، وأن المغتربين ينطبق عليهم تعريف الأردني الوارد في مشروع قانون الانتخاب بأنه كل شخص يحمل الجنسية الأردنية بمقتضى أحكام قانون الجنسية النافذ.
إن الأردني في الخارج يجب أن يثبت له حق الانتخاب أسوة بباقي الديمقراطيات النيابية التي تضمن تمثيلا نيابيا لجميع الأفراد المقيمين على إقليمها ولرعاياها في الخارج. لذا، فقد آن الأوان للمشرع الأردني بأن يعترف لهذه الفئة من الأردنيين بالحق في التصويت من خلال السفارات والقنصليات الأردنية الموجودة في الخارج. وهذا بدوره يقتضي أن يتضمن قانون الانتخاب الأردني نصوصا إجرائية خاصة بالمغتربين تتعلق بإجراءات تسجيلهم في جداول الناخبين وحقهم في الاعتراض عليها وآلية التصويت يوم الاقتراع، أو على الأقل أن يتضمن قانون الانتخاب نصا صريحا مفاده أن الإجراءات المتبعة في الانتخابات تطبق على تصويت الأردنيين في الخارج. فلا يجوز بأي حال من الأحوال تنظيم إجراءات تصويت المغتربين الأردنيين بنظام تنفيذي يصدر عن مجلس الوزراء، ذلك أن النظام التنفيذي يجب أن يقتصر على أحكام خاصة تتعلق بتنفيذ النصوص القانونية الواردة في صلب القانون، وأن لا يتضمن أحكاما جديدة لم ينص عليها القانون كتصويت الأردنيين في الخارج.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

أضف تعليقك