تصفية حسابات

الرابط المختصر

هناك توظيفات لدماء الشهداء والجرحى في غزة، تجري في سياق تصفية الحسابات الاقليمية والعربية، ودم الناس الطاهر، يتم توظيفه سياسيا بشكل مخز ومؤلم.

مناخ الاشاعات التي يتم انتاجها، مناخ يؤشر على ان لا محرمات، فالناس يموتون ويقتلون، وغيرهم يجدها فرصة لتصفية الحسابات، والبعض يريد استرداد شعبيته، وهناك من يريد تلطيخ سمعة الاخرين، عبر وسائل كثيرة.

ما يراد قوله هنا، ان السياسة العربية ما من محرمات عندها، ودعونا نتأمل نماذج كثيرة، والهدف منها في النهاية تصفية الحسابات بين عواصم عربية على حساب دم الغزيين.

الارتداد النهائي الذي لا يفكر فيه كثيرون، فض شعوب عربية من حول الفلسطينيين، مادموا متهمين، ويتم تخوينهم بوسائل مختلفة.

الخلافات التي جرت بين عواصم عربية في الخليج، بقيت كامنة تحت الرماد، وفي حرب غزة، جاءت الفرصة، فقيل كذبا ان دولة مثل الامارات العربية المتحدة، ترسل وفدا للتجسس على اهل غزة، للسؤال عن مواقع الصواريخ، وهذا كلام ساذج قد يصدقه البعض، برغم ان ذات قيادات حماس الرسمية وفي تصريحات على لسانها نفت كل القصة.

لماذا ترسل الامارات اساسا وفدا للتجسس، وهل اسرائيل ذاتها تنقصها شبكات التجسس التي تزودها بالمعلومات داخل غزة، او تنقصها الامكانات الفنية لرصد مواقع اطلاق الصواريخ، والكارثة في هكذا كذب، ان الامارات التي تغيث غزة، يراد الاساءة اليها، وتعريض وفدها الاغاثي لخطر القتل والانتقام في غزة، والتسبب بموجة كراهية في الامارات ضد الفلسطينيين، باعتبارهم يتهمون بلدا يقف الى جانبهم، وتمتد الاتهامات غير المنطقية للقول ان الامارات مولت العمليات العسكرية، ضد غزة.

أين المنطق الذي يجعل الامارات تمول قتل الناس، وهل يؤدي الموقف من حماس او الاخوان يؤدي الى تمويل الجيش الاسرائيلي، الذي لاينقصه اساسا تمويل، ولاسبب لحرق غزة، والامارات ليست شركة راعية لحفلة خيرية اطلقتها اسرائيل.

هذا انموذج تأسس على خلفية الصراع بشأن الاخوان المسلمين، والتعسكر العربي ما بين من يقف مع الاخوان او لا يقف مع الاخوان، والناس احرار في تعسكرهم، لكن دون توظيف دماء المساكين والبسطاء والشهداء...يموتون وغيرهم يتاجر بدمهم.

ذات القصة سمعناها في نغمة ملف الشهيد المبحوح، اذ قيل اعلاميا ان هذه مسرحية، والايحاء هنا، ان قتله كان مرتبا، وهذا اتهام خطير جدا، لايجوز اطلاقه هكذا دون دليل.

في موجة العلاقة مع المصريين، يراد استدراج الشعب الفلسطيني ايضا لكراهية المصري، وتحريض المصري لكراهية الفلسطيني، وتبادل الاتهامات والشتائم يجري علنا، ولا احد يتنبه الى الكلفة النهائية، اي بث الكراهية بين ذات الشعوب، وفض الناس عن الفلسطينيين، فدماء الغزيين يتم صبها في بئر من يريدون دورا اقليميا، يحسنون سمعتهم من خلاله، ويصفون حساباتهم عبره، ولا كأنه دم طاهر مسفوك، في هذه الهمجية.

ذات الامر نراه يتكرر اعلاميا مع عواصم اخرى، على خلفية الصراع بشأن ملف الاخوان المسلمين، والدول التي ترعاه، اذ لم تترك قصة غزة، دون توظيفات، اما لاعادة انعاش معسكرها، واما لتلطيخ سمعة من تراهم معاندين لها، وحرب الاشاعات بهذه الطريقة، ستؤدي في المحصلة الى نفور شعوب عربية من الشعب الفلسطيني، كليا، والى اعتباره مكلفا ثقيلا، لا يأتي منه الا سوء السمعة، والمشاكل والاتهامات، فتصير النتيجة واضحة، كما الشمس، اي ترك الفلسطيني لمصيره وحيدا، لان شعوب هذه الدول ستشعر بالاهانة اذ يتم تخوينها، وترسيمها بصورة المصطف مع الاحتلال ضد الاخ والشقيق.

يقال كل هذا الكلام بصراحة، حتى يتوقف البعض عن التجارة بدم الغزيين، ومن اجل التوقف عن صب دمهم، في آبارهم التي لا ترتوي، وفي حساباتهم، فهذا امر مؤلم جدا، وكثيرا ماتسود الاشاعة ويغيب العقل، والمنطق واضح، ويتوجب تحكيمه، وفهم الدوافع وراء كل رسالة ومعلومة واشاعة.

ثم اننا بصراحة نقول ان الطعن في سمعة الدول والوفود، يخدم اسرائيل اولا، لان غضب الناس وشكهم في غزة، سيتحول الى غضب على كل وفد زائر، وشك في كل مؤسسة اغاثة او مستشفى عربي او اجنبي في غزة، والنتيجة انسحاب هؤلاء وخوفهم على انفسهم وكوادرهم، وترك الغزيين فرادى، دون معين او مغيث...وهذا هو سر آخر من اسرار القصة، اي اخافة الدول من ارسال طبيب واحد، تجنبا للشك فيه، واحتمال ايذائه.

رحم الله شهداء غزة، اذ تتم المتاجرة بهم، ما بين من يريد توظيفهم في حملاته الانتخابية ليفوز، وذاك الذي يريد توظيفهم لتصفية الحسابات مع عواصم عربية، ومن يريد توظيف دمهم وجراحهم في صراعات الاقليم وحساباته.

علينا ان ندقق بعين بصيرة في كل معلومة او اشاعة يتم تمريرها هذه الايام، حتى لا نصحو وقد كره الفلسطينيون كل العرب، وانفض كل العرب من حولهم ايضا.

الدستور