ترف الوقت اللامتناهي

ترف الوقت اللامتناهي
الرابط المختصر

 

الفلسفة التي قامت عليها انظمة الحكم في المنطقة، و الاردن من بينها، كانت دائما تقلل من أهمية الإصلاح السياسي بمعنى دولة المؤسسات القوية و تحقيق التوازن بينها، على أساس ان هناك وقتا لا متناهيا لبناء المؤسسات، و ان السلطة قادرة على احتكار صناعة القرار مستخدمة أدوات مالية و أمنية ما دام الشارع لا يعترض.

 

هذه الفلسفة انهارت في دول عربية عدة، لكنها بقيت متماسكة في الاْردن. و لا زالت قوى الوضع القائم تعتبر ان صمود هذه الفلسفة لكل هذه السنين يثبت من وجهة نظرها ان المناداة بالاصلاح السياسي ترف تمارسه النخب بينما هناك متسع من الوقت يجعل من الواجب الانتباه فقط لمعالجة القضايا الاقتصادية.

 

و لا يبدو ان معظم أركان الحكم مكترثين الى ان الادوات التاريخية التي استخدمتها السلطة لاحتكار صناعة القرار تمر بتغييرات هيكلية، فالادوات المالية الناتجة عن الريع الخارجي في انحسار واضح بعد تدني سعر البترول، و الحلفاء التقليديين للمملكة لهم حسابات اليوم تختلف عن حساباتهم السابقة، اضافة الى ان الشارع الاردني الذي بقي صامتا لعقود بدأ بالتململ في السنوات الاخيرة.

 

لا يبدو ان كل هذه التطورات تأخذ بجدية ضمن اية استراتيجية طويلة المدى للمملكة، على افتراض ان هناك مثل هذه الاستراتيجية أصلا. و لا تزال سياسة قوى الوضع القائم المسيطرة على القرار حتى الان هي ادارة الأمور بشكل يبقي هيمنتها على مقاليد صناعة القرار استراتيجيا و يغير بعض الأمور تكتيكيا حسب التطورات و لكن بطريقة لا تودي الى اية تغييرات هيكلية تقوي من السلطتين التشريعية و القضائية و تبلور الأسس التي تبنى عليها الديمقراطيات.

 

و قد ادركت اغلب الحكومات عدم قدرتها على تغيير الأمور جوهريا، و لذلك كان همها الاكبر تصريف الاعمال و بناء التحالفات التي تطيل من عمرها قدر الإمكان و تجنب طرح أفكار كبيرة تعرف انها لن تمنح الوقت لتنفيذها، خاصة و ان معدل حكومات المملكة منذ تأسيسها لا يتجاوز العام.

 

 

في المائة عام المنصرمة منذ انشاء الاردن الحديث، جاءت حكومات قلة كانت مستعدة ان تحلم، و ان تقدم رؤية متطورة لطبيعة الاردن الذي تريد، رؤية مبنية على الاعتماد على الذات و بناء المؤسسات و سيادة القانون. لم تعمر اي من هذه الحكومات كثيرا كما لم تعمر ايضا الحكومات التي لم تقدم رؤية و خرجت كما جاءت باهتة. و لكن الاردنيون و الأردنيات لا يذكرون الا تلك الحكومات القلة ليس لطول عمرها و لكن لانها عبرت عن طموح الناس بدولة عصرية مدنية ديمقراطية يتفيأ الجميع تحت ظلالها و يحاسب الفاسدين فيها وفق القانون.

 

 

تعددت الاّراء حول الحكومة الحالية، فمنهم من يعتقد انها باقية لزمن، و منهم من يقول بانها حكومة انتقالية، و الفارق الزمني بين الاثنين حسب معدل الحكومات في الاْردن ليس بالكثير. لقد بدأت هذه الحكومة بداية جيدة بتركيزها على محاربة الفساد و تواصلها مع الناس. تثبت التجربة ايضا ان القوى المحافظة في الدولة لا تقف مكتوفة الايدي تجاه هذه الحكومة التي لا تروق لها مصطلحاتها و إيمانها بالدولة المدنية، و الشواخص عديدة على بدء تحرك هذه القوى لاسقاط الحكومة.

 

خلاصة القول ان طول بقاء الحكومة لا يعني الكثير في الاْردن بغض النظر عن توجهاتها فمعدل بقاء كل الحكومات قصير في بلدنا. كما انه لم تنعم اي حكومة بترف الوقت اللامتناهي الذي يسمح لها بالاسترخاء في موضوع اعطاء الناس صوتا حقيقيا. في نهاية المطاف، سيحكم الناس على اي حكومة ايجابا او سلبا ليس بما حققته من ديمقراطية، و لكن بجديتها في وضع اللبنات الاساسية للانتقال الى الاْردن الحديث، و دون تباطؤ او اعتقاد انها تملك الكثير من الوقت، فقوى الوضع القائم لا توفر احدا، و لا تمنح احدا ترف الوقت.