تبشيرٌ رسميّ
هل تنظرُ الدولةُ الأردنيةُ لنا كمواطنين. أم كمسلمين، ومسيحيين؟
مِنَ المفيد أنْ نختبرَ ذلك في الدستور، والتشريعات، والسلوك العام للسلطة، لنكتشفَ بوضوح، وسهولةٍ أنها ترانا رجالاً ونساءً، يدخلونَ إلى مسجدٍ وكنيسةٍ، وحينَ يُكلّفنا ذلك أيّة خسارات، تنحازُ الدولةٌ سريعاً إلى الإسلام، ولا تأبهُ لحقوق المواطنة، وقواعدها الأساسية في المساواة والعدالة، ولا للدستور نفسه الذي لا دليلَ واحداً على واقعيّة مادته الشهيرة "الأردنيون أمام القانون سواء، لا تمييزَ بينهم في الحقوق والواجبات، وإنْ اختلفوا في العِرْق، أو اللغة، أو الدين".
لا بدَّ من أسئلةٍ لهذا الاختبار. لماذا تدفعُ الدولةُ المسيحيين إلى اعتناق الإسلام، شرطاً لحصولهم على حقوقٍ دستورية؟ وهي تعرفُ أنهم يفعلون ذلك مُضطّرين. فالمسيحيّةُ المتزوّجة من مسلم، لا ترثُ زوجها وابنها وابنتها، وهذا تطبيقٌ من تطبيقات الشرع الإسلاميّ في الميراث، وينصُّ صراحةً على أنْ "لا توارثَ مع اختلاف الدين، فلا يرثُ غيرُ المسلمِ المسلمَ" تبعاً لقانون الأحوال الشخصية لسنة 2010. والمسيحيّةُ التي تطلّقت من زوجها المسلم تلجأ إلى اعتناق الإسلام، ليكونُ لها حقُّ حضانة أطفالها، بعد السابعة، لأنّ القانونَ يحجبُ عنها هذا الحقَّ الإنسانيّ، لأنها "كتابيّة".
المسلمُ يتزوّجُ المسيحية، وعليها هي أنْ تتكيّفَ مع مذهب أبي حنيفة النعمان، الذي عاشَ قبل 1250 عاماً، وتحتملَ الضغوط الثقافية بسبب إسلامها، أو تظلّ على ديانتها، فلا ترثُ، ولا تحضنُ أبناءها وبناتها، وما إلى ذلك من الازدراء الاجتماعيّ المعروف لمسيحيّةٍ، تعيشُ في أسرة مسلمة ممتدة، ولنا أن نتخيّل حجمَ تأثير العائلة والعشيرة على النساء في مجتمعنا.
المسلمةُ لا تستطيعُ أنْ تتزوّجَ مسيحيّاً. ولا وزنَ هنا للحُبّ والمشاعر الإنسانية. فالأمور محسومةٌ تماماً. إمّا أنْ تعتنقَ المسيحية، فتصبحَ مرتدةً. ووفقاً للمحاكم الشرعية "يُحْجَرُ عليها وتسقطُ حقوقها"، وتالياً يُستحلُّ دمها، فيصبحُ من حقّ أيّ عابرِ طريقٍ أنْ يسارعَ إلى قتلها، مستفيداً من نصوصٍ وفتاوى. أو أنْ يُشهرَ المسيحيُّ إسلامه قسريّاً، ليحقَّ له الزواجَ من المسلمة، كما حدثَ مراتٍ كثيرة في الأردن، خلالَ السنواتِ الأخيرة.
المُشرِّعُ الأردنيُّ يتعاملُ مع المواطنِ وفقاً لدينه، ولا يحترمُ حريّة المعتقَد، بل إنّه ينتقصُ من حقوقِ المواطن والمواطنةِ تبعاً للدين، فالمسلمُ الذي يُغيّر دينه مرتدٌّ، وقد وردت كلمة الردّة ومشتقاتها ثماني مرّات في قانون الأحوال الشخصية، ويترتّبُ عليها ضياعُ الحقوق في الزواج والطلاق والحضانة والميراث. فيما المسيحيُّونَ "ذميّون" و"كتابيّون" نصّاً.
أي أنّ الدولةَ، وهي تمنعُ المسلمَ والمسيحيَّ من حريّة المعتقد، وتضعُ إكراهاتٍ تشريعية على المسيحيّ لاعتناقِ الإسلام، تمارسُ تبشيراً رسميّاً في اتجاهٍ واحد، ولا تأبهُ للمواطنة، كما أنها لا تعترفُ بها، إلا في إطار الدين حصريَّاً.
هل يمكنُ تصويبُ هذه الاختلالات العميقة؟
نعم. وكلمةُ السرّ في تعديل قانون الأحوال الشخصية، وإخضاعه لمتطلّبات الحاضر. عبر حذف مفرداتٍ قديمةٍ ومسيئةٍ، مثل "الردّة، وأهل الذمّة، والكتابيين"، وايجاد الحلول المدنية، لتفعيل المبدأ الدستوريّ في المساواة بين المواطنين "على اختلاف الدين". وصيانة حريّة المعتقد بنصٍّ قانونيٍّ واضح..
باسل رفايعة: صحافيّ أردنيّ، عمل في صحف يومية محلية، وعربية.