بيت الأردن .. أوسع مما تتخيل

بيت الأردن .. أوسع مما تتخيل
الرابط المختصر

أسأل نفسي منذ يومين، كيف قضى الشاب الأردني بلال أبودية ليلته أول من أمس بعد أن فتح باب منزله ليجد أن من على الباب ما هو إلا الملك، يسأل ويطمئن على الأحوال. ثم، كيف قضى ساعاته حتى هذه اللحظة!؟ وهل وجد النوم طريقاً لعينيه بعد أن تحدث مع الملك، هكذا ببساطة، وشكا له ضيق الحال ليجد الاستجابة أقرب من السؤال. وهو الذي كانت أقصى أحلامه لقاء مدير قبول في إحدى الجامعات.

واقع الحال أن حيا كاملا خرج من صلاة الجمعة، فوجد أنه على موعد مع الملك عبدالله، من دون ترتيب مسبق أو مواكب أو زيارات تمهيدية أو حتى فرق من الأمانة تنظف وتزرع وتصبغ الأرصفة، استعدادا للزيارة "المفاجئة" كما تفعل عادة عند زيارات المسؤولين (العاديين) للقرى والأحياء.

حي الرحمانية الذي له من اسمه نصيب ومن موقعه حظ طيب، فتح قلبه لجلالة سيدنا بكل المسائل والقضايا والهموم، ولمَ لا.. وهو جارهم في بيت الأردن، الذي له هو أيضا من اسمه نصيب وافر. ببساطة أراد جلالته استطلاع أحوال الجيران بعفوية رمضان وعذوبته، وبساطة الجار المُحِب.

مرة أخرى ..أعطانا جلالته درسا رمضانيا في الخير المتعفف عن المِنة والأجر.. وأكدَ لنا أن الأعمال العظيمة لا تستدعي كل هذه الجلبة والضجيج المفتعل، بل إن بساطة التواصل بين القائد والناس ..هكذا (من غير مناسبات) هي من تلك الأعمال العظيمة التي تستدعي أن نتذكر دائما،أن العدل والحب والعطاء هي أساس الحكم.

ولكن من يتعلم الدرس؟!

وماذا عن مسؤولينا الذين عكفوا في أجواء الشهر الكريم أن يتواصلوا أيضاً مع الناس، ولكن عبر صفحاتهم الالكترونية على مواقع التويتر والفيس بوك. ثم ماذا يريد المسؤولون لدينا أكثر من تلك الرسالة الملكية الموجهة. رسالة الحب والحميمية بين القائد وشعبه.. ماذا يريدون؟ أن يُمسك أيديهم بالواحد وأن يرشدهم الى طريق أداء المهمة المنوطة به. كما حصل في الرحمانية عندما سارعت الأجهزة الحكومية الى التحرك لخدمة هذا الحي؛ فقط بعد التكليف الملكي، وكما حصل عندما تحرك أخيرا المسؤولون لتفعيل العقوبة على مطلقي العيارات النارية؛ فقط عندما تحدث الملك بمرارة عن ذلك.

درس الرحمانية الملكي..يقول أكثر من ذلك بكثير، يقول لنا لو أن كل واحد منا فكر ان يُعَرج على البيوت المجاورة لبيته ويطمئن على أحوال سكانه في هذه الأيام الفضيلة، لكانت الدنيا بخير.

ثم لو أن مفهوم الرعاية الأبوية يأخذ شكلاً مغايرا ومتقدما على أشكال السلطة المرتبطة بالأوامر والنواهي ليكون صلة رحم دافئة وحوارا في المعروف، لكانت الدنيا أفضل بكثير.

الرعاية كما قرأتها في زيارة الملك الى الرحمانية وقبلها في سحاب وقرية الملاحات وغيرها، هي النزول الى الشارع وشرب الشاي مع الناس والاستماع المدجج بالعناية والاهتمام بهموم البشر المتعبة، وأن يرعى المسؤول دقائق الشكوى ويعرف كيف يردها من دون أن يَمُنَ على أحد أو أن يبتسم للكاميرات المنتشرة، ومن دون أن يشكي لنفسه ولجواره البعد المطلبي في أحاديث ناس (تتنشق) للقاء مسؤول.

من يتعلم إذن؟!

المسؤولون الذين يهربون من لقاء الناس ومطالبهم، فيكتفون بحوار مع الأصدقاء المشتركين على النت، أم أولئك الذين يُغَيِرون أرقام هواتفهم النقالة بشكل متواصل تبعا لتسربها لصحافيين أو طالبي حاجة.

ثم متى سنرى تلك الوجوه اليانعة المتوردة وهي تلامس قبلات البسطاء الذين لا يحلمون بأكثر من مائهم وكهربائهم ودوائهم؟ وأنا هنا لا أتحدث عن وزراء بعينهم؛ فالتكليف وميثاق الشرف يطاول وزراء ومديرين وأمناء ورؤساء لجان ومراقبين، لم تتضح لديهم فكرة الرعاية، ربما لأنهم لايتعرضون للشمس كثيرا!

تخيلت أن مسؤولين سيقومون بزيارات مماثلة لجيرانهم في رمضان، ثم اكتشفت أنهم سيدخلون حلقة مفرغة لأنهم لن يزوروا إلا مسؤولين مثلهم .. فهم كلهم جيران.

الغد