بوصلة الإصلاح إلى أين تشير؟
ليس هذا المقال ضد النشاط والجدل الدائر اليوم حول السفارة الأميركية والمواطنة والهوية، ولا السفارة الإسرائيلية التي يكثف ناشطون العمل ضدها هذه الأيام أكثر من أي فترة سابقة (للعلم السفارة الإسرائيلية موجودة في عمان منذ العام 1994، وقامت دولة إسرائيل العام 1948، واحتلت الضفة الغربية العام 1967). ولكنه ينظر إليها بعدم براءة، أو أنها في أحسن الأحوال محاولة لتوظيف الحالة الوطنية والعربية المتشكلة مؤخرا (الربيع العربي) لأجل أهداف وأفكار لم تتشكل الحالة لأجلها أو حولها، وهذا بيت القصيد.
فالتشكلات الوطنية الجديدة هي ببساطة قاعدة اجتماعية نشأت حول العدالة والحرية والإصلاح بعامة، وقد سبقت الأحداث العربية بسنة على الأقل عندما أطلق المعلمون وعمال الزراعية والعاملون في الميناء فضاء جديدا للعمل لأجل الحريات والعدالة، وضد الفساد واستخدام أموال الضرائب لأجل مصالح خاصة، والإقطاع المتشكل تحت غطاء الخصخصة، وسوء توزيع الموارد العامة والإنفاق العام على من لا يستحقه وحرمان من يستحقه منه.
وفي اللحظة التي ينصرف الجدل عن تنظيم المجتمعات والطبقات وراء مصالحها وأولوياتها فإننا نفسد الحراك الإصلاحي مهما حسنت النوايا، ثم نفسد الأهداف السياسية والقومية الأخرى، لأنه لا يمكن قيام عمل سياسي شعبي مجتمعي من غير قاعدة اجتماعية واسعة تشكل بيئة حاضنة للبرامج والمواقف والسياسات، فقيمة الحراك الإصلاحي والربيع الشعبي والمجتمعي بعامة هو في تشكل المجتمعات ومشاركتها في الموارد والسياسة على قدم المساواة مع الحكومات والشركات، ولا يمكن التعويل على أي برنامج سياسي غير منبثق عن المجتمعات بما في ذلك التمويل والمراقبة.
كيف تتمكن المجتمعات من تنظيم نفسها وامتلاك التأثير والمشاركة في مصيرها؟ هو السؤال الأول المحرك لكل عمل سياسي، وبغير ذلك فليس ثمة سوى حركات جماهيرية تسعى وراء الآمال والوعود والأحلام، ويمكن أن تستدرجها الأهواء والمصالح، ولكن في اللحظة التي تتمتع المجتمعات بالقدرة على المشاركة والموارد الكافية والمستقلة، فإنها ستكون قادرة على الاختيار الصحيح بشأن السياسات الوطنية أو نشاط السفارات ودورها، ولكن عندما يكون المتزاحمون لأجل الحصول على تأشيرة من السفارة الأميركية أو السفارة الإسرائيلية (نعم السفارة الإسرائيلية) أضعاف المتظاهرين والمعتصمين ضدها، فذلك يعني ببساطة أن المجتمعات غير قادرة على حماية نفسها أو حسم خياراتها، وفي اللحظة التي تعزف المجتمعات والجماعات عن بناء المؤسسات البحثية والتنموية فإنها ببساطة ما تزال عاجزة عن تنظيم مصادر تأثيرها.. وفي اللحظة التي تكون نسبة التوظيف واستحداث الوظائف لدى المجتمعات مساوية على قدم المساواة للحكومة والقطاع الخاص أي ثلث الوظائف (لا تزيد هذه النسبة في الأردن على 1 بالمائة) تكون المجتمعات قادرة على التأثير والتحرك والعمل. والذين يتحمسون ليسوقوا المجتمعات إلى مواقف كبرى ولا يتحمسون لتمكينها ومساعدتها على امتلاك المدارس والعيادات والحدائق والمكتبات إنما يعملون في الحقيقة ضد المجتمعات.. وضد أنفسهم.
الغد