بوح خاص على مشارف العيد

بوح خاص على مشارف العيد
الرابط المختصر

بانتظار العيد، وفي غمرة الفرح الطفولي الذي يلف عالم أطفالك وهم ينهون تحضيراتهم ليوم العيد، بعد أن جهدوا في استنزاف جيوبك، وما تبقى من راتبك؛ تجتاحك ذكرى أحبة طيبين رحلوا قبل أوانهم، ففجعوك بمأساة موتهم، وتركوك واجما مصدوما أمام جدار الموت.. تلك الحقيقة الأزلية الأقسى والأثبت في تاريخ الإنسانية!
تقتلك الذكرى، وتهز أركانك ذكريات حيوات لأصدقاء طيبين، قنصهم الموت بحوادث فاجعة، بعد أن كانت تملؤهم، كما أنت اليوم، الحياة وعنفوانها وخيالاتها. يطوف في خاطرك صلاح غنام وبشار أبو درويش اللذان خطفهما الموت في تلك الشوارع النائية، ليصبحا أثرا بعد عين، وتنطفئ تلك الشعلة المتقدة، ليتركانك عاريا أمام حقيقة الغياب الأخير.
تغور بك الذاكرة أبعد، فتجتاحك ذكريات خالد جلال وخالد عساف اللذين أبى الموت إلا أن يرسم لهما نهايتين فاجعتين؛ فالموت هنا قاس ومفجع وغادر، تماما كما في الحروب والكوارث!
تأسى وتحزن على تلك الأرواح الطيبة التي فارقت دنياك بلا وداع ولا تمهيد، ويغمرك شعور المقت والعجز أمام موت فاغر فاه منذ أبد الآبدين وإلى أبد الآبدين؛ لا يشبع ولا يرتوي، موت لا يعرف الطيبين فيخطفهم سريعا، ويترك خلفه قتلة وظلمة وتجار حروب وأكلة لحوم بشر وحقوق!
تغرق في الكآبة وأنت تستذكر "تهويمات" سارتر الوجودية وجدرانه، ولا يخرجك منها سوى "نيكولاس كيج" مبدعاً في فيلمه "ملائكة المدينة"، حيث يجهد هو ومخرج الفيلم وكاتبه في تقديم صورة الحياة الإنسانية بكل تناقضاتها؛ جمالياتها ومآسيها التراجيدية، فتسأل نفسك: هل كان "كيج" مخطئا إلى أبعد مدى وهو ينزل من سرمدية الملاك وتعاليه على الألم والإحساس، إلى "دونية" البشري، فقط ليظفر بإحساس الحب ولوعة اللقاء بالحبيبة؟!
كان ملاكا يرقب الموت من بعيد، مطمئنا إلى ابتعاده عنه، قبل أن يغريه الحب وعنفوان الحياة وألق عيني الحبيبة، بطلب النزول إلى حياة البشر، ولوعة الحب والاشتياق وتنسم الهواء العليل، والاستمتاع بشعور حبات المياه الدافئة وهي تنساب بحنان على جسده لأول مرة.
لم يكن يعرف أن الموت ينتظره هناك؛ على الأرض التي أحب، وفي الحياة التي حسد الإنسان عليها، ولدى الحبيبة التي أغرته بحياة البشر، فابتلعها الموت سريعا، وبقسوة، غير معني بلوعته وتضحيته السماوية، وليتركه، مثلي اليوم، وحيدا واجما أمام الجدار!
ثم تعيدك ضحكات ابنتيك إلى الأرض.. تخطفانك من ذكرى الأحبة الراحلين، لتدخلانك في نقاش لا ينتهي عن تحضيرات العيد ومخططاتهما للفرح فيه. في تلك الاندفاعة الطفولية الغامرة، تعلم أنه رغم أنف الموت وقساوته، كان "كيج" صائبا في خياره، وأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة.
عيدكم مبارك وسعيد.

[email protected]

(الغد)

أضف تعليقك