بلطجة نيابية وديمقراطية رمي الأحذية !!!

بلطجة نيابية وديمقراطية رمي الأحذية !!!
الرابط المختصر

شهدت جلسة مجلس النواب الأخيرة لمناقشة مشروع قانون الانتخاب حادثة يندى لها الجبين تتمثل في قيام نائب برمي حذائه على زميله قبل أن يتعدى عليه بالضرب والتحقير وذلك بسبب مواقف الأخير من مناقشات مشروع القانون.
إن هذه الحادثة الغريبة على الحياة البرلمانية في الأردن يجب أن لا تمر مرور الكرام، بل يجب التوقف عندها وتحليلها دستوريا للوقوف على الأسباب التي دفعت النائب السعود إلى التطاول على زميله ومعالجتها لضمان عدم تكرارها في المستقبل.
إن أولى هذه الأسباب تكمن في الفهم الخاطأ لدى السادة النواب لمفهوم الحصانة البرلمانية التي قررها الدستور الأردني لأعضاء مجلسي الأعيان والنواب في المادة (87) من الدستور والتي تعطي لكل عضو في مجلس النواب ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس، بحيث لا يتم مؤاخذة ذلك العضو بسبب أي تصويت أو رأي يبديه أو خطاب يلقيه أثناء جلسات المجلس. فالمادة الدستورية السابقة التي قررت صورة من صور الحصانة البرلمانية لأعضاء مجلس النواب تعطي الحق لكل نائب في حرية الكلام من خلال عدم مساءلته عن الآراء والتعليقات والمناقشات التي يبديها أثناء جلسات المجلس، بحيث يكون للنائب مطلق الحرية في الكلام والنقاش والتعليق والتصويت لتمكينه من ممارسة دوره التشريعي والرقابي على السلطة التنفيذية من دون أي رقيب أو حسيب حتى ولو كان قانونيا.
وحيث أن الحصانة البرلمانية من خلال مبدأ حرية الكلام تعد في طبيعتها تعطيلا لنصوص قانون العقوبات فيما يتعلق بالأقوال والآراء التي تنطوي على جرائم الذم والقدح والتحقير التي يلقيها أعضاء مجلس النواب أثناء اجتماعات المجلس وذلك بحكم الدستور، فإن هذه الحصانة يجب أن تكون مؤقتة بحيث تقتصر على الفترة التي يكون فيها مجلس النواب في حالة انعقاد، ونسبية بحيث تقتصر فقط على الأقوال والآراء التي تصدر عن النائب وتتعلق بعمله في البرلمان.
أما الأفعال التي يرتكبها السادة النواب أثناء دورات انعقاد المجلس، فهي لا تدخل ضمن مفهوم مبدأ حرية الكلام، إذ يمكن محاسبة النائب عن أي فعل يرتكبه اثناء جلسات المجلس ويشكل جريمة يعاقب عليها القانون، وهو ما ينطبق على حالة النائب الذي لا يملك دستوريا أن يتمسك بمبدأ الحصانة البرلمانية وحرية الكلام ليبرر فعلته المشينة في المجلس. فالنائب يجب أن يحاسب جزائيا عن فعلته وفق أحكام قانون العقوبات، لكن بعد الحصول على إذن من مجلس النواب برفع الحصانة عنه وفق أحكام المادة (86) من الدستور. فما بدر من النائب من فعل مشين وإن كان قد وقع أثناء جلسات المجلس ومناقشات مشروع قانون الانتخاب، إلا أنه غير متعلق بأي شكل من الأشكال بمهامه النيابية وعضويته في مجلس النواب. فالمشرع الدستوري لم يكن يقصد بالتأكيد من تقرير الحصانة البرلمانية للنواب أن يتم توجيهها لأغراض شخصية ولغايات تشجيع النواب على ضرب بعضهم بعضا بالأحذية.
أما السبب الآخر لتكرار مثل هذه التصرفات المشينة في مجلس النواب فتتمثل في ضعف إدارة الجلسات، وهو ما شجع السادة النواب على التمادي على بعضهم بعضا بالضرب والشتم والتحقير والتي وصلت لمرحلة رمي الأحذية. فالغريب في الأمر أن رئاسة مجلس النواب وكعادتها لم تتخذ أي موقف حازم أمام ما جرى تحت قبة البرلمان، حيث تدخل الوجهاء والعقلاء من باقي أعضاء المجلس للفصل بين النائبين وتطويق النزاع قبل أن تقرر رئاسة المجلس رفع الجلسة. فقد كان ينبغي على رئيس مجلس النواب وبموجب الصلاحيات التي قررها له النظام الداخلي لمجلس النواب أن يكون أكثر حزما في التعاطي مع هذه المشكلة والتي تعد مساسا بكرامة المجلس وهيبته وفقا للمادة (62) من النظام الداخلي لمجلس النواب، والتي تهز من ثقة الشعب في أداء المجلس لعمله والتي وصلت إلى درجات سلبية قياسية جراء سلسلة الأخطاء والعثرات التي يقع فيها السادة النواب من تصرفات فردية وأعمال يغلب عليها تقديم الصالح الشخصي على الصالح العام والتي كان آخرها إقرار قانون التقاعد المدني لأعضاء مجلس الأمة. فقد كان يفترض برئيس مجلس النواب أن يفرض أيا من العقوبات التي حددتها المادة (63) من النظام الداخلي أو أن يقترح على المجلس فرض الجزاءات التي قررها النظام الداخلي لمجلس النواب من توجيه اللوم للنائب الذي ابتدأت المشكلة من عنده، أو منعه من الكلام بقية الجلسة، أو إخراجه من قاعة الاجتماع وحرمانه من الاشتراك في بقية أعمال الجلسة أو حتى حرمانه من الاشتراك في أعمال المجلس مدة لا تزيد على شهر، وذلك لكي يكون عبرة لزملائه النواب لعدم تكرار مثل هذه الأفعال التي لا ترقى إلى مستوى أعضاء في السلطة التشريعية.
والسبب الثالث لمسلسل تمادي السادة نواب على بعضهم بعضا هو ضعف مجلس النواب في التعاطي مع هذه الظاهرة وعدم ممارسته لإحدى صلاحياته الدستورية المتمثلة في فصل أعضائه من المجلس بسبب سوء السلوك. فاستنادا لأحكام المادة (90) من الدستور يجوز لأي من مجلسي الأعيان أو النواب أن يفصل أحدا من أعضائه بقرار صادر عن أكثرية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس بحيث إذا كان الفصل يتعلق بعضو من مجلس الأعيان يجب أن يرفع قرار المجلس الى الملك لإقراره.
إن رد فعل مجلس النواب على تصرفات النائب اقتصرت فقط على تهافت أعضائه على توقيع مذكرة برلمانية تقضي بحرمان النائب من حضور جلسات مجلس النواب، وهو إجراء لا يسمن ولا يغني من جوع. فقد كان الأجدر على مجلس النواب أن يمارس حقه الدستوري في الفصل أو التلويح باستعماله وذلك لكي يكون عبرة لمن تسول له نفسه من النواب المس من هيبة وكرامة مجلس النواب خاصة وأن النص الدستوري في المادة (90) قد جاء مطلقا من حيث عدم تحديد الأسباب التي يجوز فيها لمجلس النواب فصل أحد أعضائه بأغلبية الثلثين، وهو ما يسجل للمشرع الدستوري بحيث يمكن لمجلس النواب اعتبار حادثة رمي الحذاء سببا لفصل نائب من مجلس النواب .

span style=color: #ff0000;العرب اليوم/span