بكل جرأة:هذا هو المستقبل

بكل جرأة:هذا هو المستقبل
الرابط المختصر

نشرت إحدى الصحف مشروع القانون الجديد لـ"المركز الملكي لبحوث وتطوير التعليم"، مع تقديم يعرض سلفاً اعتراضات على المشروع من خبير تربوي، لم يرغب بذكر اسمه، لكننا نقدر أنه يمثل الاتجاه المحافظ، الذي يُفشل أفكار التحديث والعصرنة والتطوير، وهذا بالذات ما جعل فكرة إنشاء هذا المركز ضرورية.

سوف تنتقل الى المركز المسؤولية عن البحوث والدراسات التربوية، وتطوير المناهج ومراجعة الكتب ووضع الأطر المرجعية، وعمليات التأهيل والتدريب ومعايير التقويم. وهنا فإن الاعتراض الأول يشكك بأهداف المركز، فهو ليس أقل من مؤامرة تريد "ضرب الروح الوطنية والدينية"!

تُهمٌ بهذا الحجم تقول كل شيء عن العقلية التي سيطرت على التربية والتعليم، وحوّلت الصفوف إلى مكان للتعبئة العقائدية الضيقة، بدلا من الانفتاح وإعلاء شأن العقل والتفكير النقدي الخلاّق، وزرع حبّ المعرفة والانفتاح الذهني وتفادي الأحكام المسبقة والتعليب المسبق للأفكار والقيم. وكانت جلالة الملكة رانيا قد قدمت أنموذجا توجيهيا رائعا في قصّة الأطفال "تبادل الشطائر" لتجاوز الأحكام المسبقة والانغلاق.

التعليم ثم التعليم ثم التعليم، هذا هو الاستخلاص حول الاستثمار في المستقبل وتحقيق التغيير. ومنذ مطلع العهد الجديد جرى التركيز من جلالة الملك والملكة على التعليم عبر عدّة مبادرات، مثل تعليم الانكليزية منذ الصف الأول، وإدخال الكومبيوتر، وأخيرا مبادرة مدرستي، لكن هذا الجهد لم يترافق مع ما كان يجب أن تنجزه وزارة التربية من تغييرات عميقة في المناهج وطرق التدريس وتأهيل المعلمين. فما يزال التلقين والحفظ هو أساس العملية التعليمية، وليس الفهم والتحليل.

ورغم أن العديد من الكتب تطور، فالكثير من المناهج وخصوصا في اللغة والعلوم الاجتماعية وغيرها أكثر تخلفا ورجعية من المناهج قبل نصف قرن! أي والله قبل نصف قرن، ومن اجتث تدريس الفلسفة ما يزال هو الذي يقرر المناهج، وعلينا أن نقرر هل نريد الانغلاق في الكهوف أم تشريع الأبواب والنوافذ لأنوار العلم والمعرفة الصحيحة والتقدم.

المسألة ليست ثقافية وفكرية، بل معيشية واقتصادية، فشروط الازدهار والرفاه والإنتاجية العالية والحياة الجيدة تعتمد على الثقافة والقيم التي تنشأ عليها الأجيال الجديدة.

والاعتراض الثاني هو الكلفة الإضافية لإنشاء المركز، بينما الوزارة مؤهلة لكل العمليات التي سيقوم عليها، وهذا ليس صحيحا، فالبيروقراطية الحكومية لم تكن في أي وقت مؤهلة للدور التطويري، بل في الواقع هي قاومت بشراسة كل تطوير.

ولا حاجة لمراجعة قصص التعثر، وآخرها نتائج امتحانات التوجيهي. نحن نحتاج إلى مركز مستقل يضم كفاءات علمية وبحثية مستقلّة مزودة بتوجيهات حاسمة حول منحى التطوير المنشود في المناهج، وفي العملية التعليمية، بما يتناسب مع معطيات العصر.

سبق وقلنا إن ما تتيحه وسائل الاتصال اليوم للطلبة الصغار مباشرة، هو أضعاف ما تتيحه المدرسة وكراريسها وكتبها، والمركز يجب أن يقوم على أكاديمية تأهيل هائلة للمعلمين بالمناهج وأساليب التدريس المتطورة.

المركز ليس هيئة خاصّة، والقانون ينص على ارتباطه بوزير التربية، وخضوع موازنته لرقابة ديوان المحاسبة وتعيين مجلس أمنائه من قبل مجلس الوزراء.

أضف تعليقك