بعد عاصفة المعلمين.!
ازمة المعلمين .. التي انعكست آثارها على العملية التعليمية برمتها خلال الايام الماضية, وجدت في نهاية المطاف تسوية على الطريقة الاردنية وفق قاعدة "لا غالب ولا مغلوب", بعد ان استجابت الحكومة ولو متأخرة لبعض مطالب من يعتبرون في مقدمة ركائز التطوير التربوي, وما كان لهم ان يتخذوا هذا الموقف المتشدد لولا تراكمات استقرت في اعماق النفوس لسنوات طوال من دون اعطائها الاهتمام الذي تستحق, وفي المقابل كان المعلمون عند حسن الظن في تجاوز ما اعتبروه اساءة بحقهم من وزير التربية, حينما دعاهم الواجب الوطني الى انهاء الاضرابات والاعتصامات التي ادت الى شلل كبير في سير الدراسة دفع ثمنه الطلبة واولياء امورهم والمجتمع بأسره.
قرار مجلس الوزراء مؤخرا في اعادة صرف علاوة بنسبة 5% للمعلمين والمشرفين والمرشدين التربويين, بأثر رجعي اعتبارا من مطلع العام الحالي بعد ان كان العمل قد توقف بها منذ عام 2006م, يمثل اعترافا رسميا بان بعض المطالب التي تقدم بها المعلمون هم على وجه حق فيها من اجل تحسين اوضاعهم الوظيفية والمهنية, واذا ما اضفنا الى ذلك اعطاءهم اولوية في الحصول على وحدات سكنية من مشروع "سكن كريم لعيش كريم", مع تكليف ديوان الخدمة المدنية باجراء دراسة شاملة لرواتبهم واسس تعيينهم وترفيعهم, يكون الشق المطلبي المتعلق باوضاعهم الوظيفية قد وجد تجاوبا فعليا الى ان تستكمل جميع مراحله.
اما فيما يتعلق بالمطالبة بانشاء نقابة للمعلمين التي كانت "حجر الرحى" في العاصفة التي ثارت واستمرت لاكثر من اسبوعين .. فيبدو ان الحلول الوسط ايضا تفرض نفسها ما دام الحوار الهادئ هو الكفيل بالوصول الى تسوية مقبولة, فاذا كانت الحكومة تجد نفسها ملزمة بتطبيق قرار المجلس العالي لتفسير الدستور الذي افتى بعدم جواز تأسيس نقابة للمعلمين, فيمكن القول ان بابا مواربا تم فتحه امام النظر المتعلق في هذه القضية التي تشغل المعلمين في ايجاد مظلة تجمعهم, من خلال احالتها الى ديوان التشريع والرأي في رئاسة الوزراء, لبحث امكانية انشاء روابط مهنية لهذه الفئة القيادية اسوة بغيرها من المهنيين الاخرين.
اوضاع المعلمين تحتل جانبا مهما من قضايا القطاع التعليمي والتربوي, لكن هناك غيرها الكثير مما يعاني منه من ازمات واحتقانات تطل برأسها بين الحين والاخر, نظرا لما يعتري العملية التعليمية من ضعف عام وانعدام للثقة احيانا بين المعلم والطالب يؤدي الى ان يكون الضرب بديلا للاحترام, وكذلك صعوبات تتعلق بالبناء المدرسي والانضباط والمساواة والعدالة والبيئة الدراسية المناسبة, ومشكلات كثيرة تتعاقب عبر الزمن من دون حلول منها تعقيدات امتحان الثانوية العامة, الذي شهد اخطاء جسيمة في اعلان نتائج الدورة الشتوية الماضية, التي لا نزال في انتظار نتائج التحقيقات الخاصة بها, وما الى ذلك من عوامل معروفة تضع المزيد من العراقيل امام التطور التربوي.!
ما حدث في القطاع التربوي والتعليمي كان كبيرا بكل المقاييس, ولا يجب اختصاره في اجراءات جزئية تعالج الواقع الاني وما افرزته ازمة المعلمين من تفاعلات مقلقة, بل لا بد من وقفة مراجعة شاملة لكل جوانب الواقع الذي يسوده, الذي ادى به الى هذه الحال التي لم نكن لنصل اليها, لو اعطينا للمعلم كامل حقوقه في ممارسة دوره الطليعي, وللطلبة على مقاعد مدارسهم ما يجب ان يتلقوه من تعليم وتربية وفق منظور متطور, بما يرفد انطلاقتهم نحو المستقبل بخطى تؤهلهم للاسهام الفاعل في بناء الوطن والانتماء له بعزة وكرامة.0
العرب اليوم