بعد حديث الملك.. ما كان محرما لم يعد كذلك
قبل سنوات قليلة كانت الانتقادات توجه للاعلام بشدة من قبل مسؤولي ومنظري السياسات الاقتصادية الفهلوية عندما يتم تناول قضايا الفساد اوبرامج التنمية التي لا تخدم سوى فئة محدودة ممن تسلقوا للمناصب العامة وتساقطوا على الدولة بـ "البراشوت".
الملك وفي توجيه صريح للسلطات الدستورية طلب منهم مكاشفة الرأي العام بكل القضايا التي هي مثار جدل في المجتمع, فلا يوجد ما هو محرم للنقاش, فكل قضايا الفساد والواسطة والمحسوبية والمؤسسات الفاشلة والخصخصة والضرائب والانفتاح على القطاع الخاص, باتت اليوم على طاولة النقاش, في النهاية لا بد من الاجابة على استفسارات الشارع عن تلك السياسات فيما اذا كان بعضها "صحيحا, او "مبالغا فيه وغير صحيح.".
لا شك ان اجهزة الدولة تأخرت كثيرا في الاستجابة للتوجيهات الملكية الخاصة بمحاربة الفساد الذي هو اساس نقمة الشارع واحتجاجه, والسبب في ذلك هو دفاع فئة محدودة ممن تسلقوا العمل العام عن مناصبهم وسياستهم بشكل كبير استخدموا فيه كافة الوسائل المتاحة امامهم لتحجيم القوى الوطنية واخماد المطالبات بكشف قضايا الفساد.
حتى الاعلام وللاسف انقاد وراء اهواء تلك الفئة التي تلاعبت بمقدرات الدولة, ومارس تعتيما مزريا, وسرعان ما كان شريكا لتلك الفئة في التستر على السياسات التي ألحقت الاذى والضرر بالمواطنين وافقدت الدولة سيطرتها على مواردها المحدودة اصلا.
لم يعد الحديث عن الخصخصة وبرنامج التحول وقضايا المحسوبية ومشاريع الـ "atv" وسكن كريم وموارد وصفقة نادي باريس والكازينو من القضايا المحرم الحديث عنها, ففي السابق وبمجرد تناول تلك القضايا كانت اجهزة الدولة واعلامها الضال تسارع الى التشهير فيمن يطالبون بفتح تلك الملفات, واتهامهم بانهم ضد الاستثمار وان البلد بحاجة الى التركيز على الايجابيات وان ما يتم التعرض له فيه اغتيال للشخصيات.
اليوم يقف الاقتصاد الاردني على مفترق طرق, فهو من جهة يفتقد لمقومات الاعتماد الذاتي بعد ضياع موارده في اطار الخصخصة, وهو لم يعد يمتلك وسائل للتحفيز بعد ان اعتمدت خزينته على الضرائب والرسوم التي تفرضها الدولة على المواطنين من جهة اخرى, فالاقتصاد الوطني سرعان ما انكشف الغطاء عنه عند اول ازمة عالمية بينت مدى ضعف الحصانة الاقتصادية للدولة, ودلت بما لا يدع مجالا للشك ان السياسات الاقتصادية التي اتبعت جعلت من فئة قليلة تمتلك الثروات الهائلة في حين بقي الشارع والدولة معا يعيشان اوضاعا صعبة وهشة للغاية.
اعضاء السلطات مطالبون باستعادة المبادرة واخذ زمام الادارة للدولة وتوجيه مركبها نحو بر الامان, وهذا لا يتم الا من خلال التحقيق العلني والمكاشفة الصريحة حول كافة البرامج والخطط الاقتصادية ومحاسبة المسؤولين والمقصرين ان ثبت ذلك, وذلك بفتح الملفات جميعها وعدم التستر على اي كان حتى ولو كان الان في السلطة, فحديث الملك واضحا لا لبس فيه وفيه امر لا بد من الانصياع له والامتثال لتلك التوجيهات, فلم يعد هناك ما هو محرم الحديث عنه?, فالشارع بانتظار نتائج التحقيق والمصارحة والمكاشفة والمحاسبة, لقد طفح الكيل من التنظير بمحاربة الفساد دون اي عائد يلمسه المواطن, نحن بحاجة الى سرعة في الاجراءات لامتصاص النقمة الشعبية واحتواء المطالبات والخروج بتوافق وطني حول ما يريده الشعب لاردن المستقبل.
العرب اليوم