النسور رئيساً للوزراء

النسور رئيساً للوزراء
الرابط المختصر

انضمّ الدكتور عبدالله النسور إلى نادي رؤساء الوزراء في فترةٍ حرجةٍ وليست سهلة، وهو رجلٌ مجربٌ ومخضرمٌ، تدرج في مناصبه الحكومية، واستلم أكثر من حقيبة وزارية، وأصبح نائباً عن البلقاء أكثر من مرة، ونجح عبر الصوت الواحد، كما نجح عبر القائمة، واستطاع أن يشق خطاً سياسياً، يجمع فيه بين الخطاب الشعبي والرسمي معاً، وكان في البرلمان معارضاً للحكومات بقوة؛ دون أن يغادر مربع رجال الدولة، ولكن المشكلة ليست في الشخصية بقدر ما تكون في منهجية الاختيار، وطريقة إدارة الدولة وولاية الحكومة العامّة الكاملة.

لقد تعرفت إلى الرجل لأول مرة في لقاء ليس بعيداً ضمّ ما يقارب عشرين شخصاً في الديوان الملكي مع ملك البلاد في لقاءٍ تشاوريّ، وكان من بين المدعوّين عبد السلام المجالي، وخالد الكركي، ورجائي المعشر، ومحمد الدباس، ووجيه عويس، ومحمد العوران، وحسني عايش، وأبو حسان، وليلى شرف، ورئيس الديوان وقتئذٍ باسم عوض الله، ومدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي، وكان هناك أزمة بين الحكومة والحركة الإسلامية على إثر اعتقال مجموعة من نواب الحركة الإسلامية الذين قاموا بزيارة مجلس عزاء الزرقاوي، وقد شهد اللقاء تهجماً شديداً على الحركة الإسلامية وتحريضاً من بعض الحضور، ولكن الدكتور عبدالله النسور تكلم في الاتجاه المخالف، وأنصف الحركة الإسلامية وأثنى على مواقفها الوطنية وأكد على أنّها مكون وطني لا يمكن تجاوزه، كما استشهد بأداء نواب الحركة الإسلاميّة في عام 1989م، وتعاونهم المثمر مع إخوانهم في البرلمان في خدمة وطنهم وشعبهم بمنهج ديمقراطي مشرف، وعندما تكلمت باسم الحركة الإسلامية، جاءني في نهاية اللقاء ليخبرني بأنّه قد أعدّ كلمته مسبقاً دون أن يعلم أنّ اللقاء كان يضمّ أحد أعضاء الحركة الإسلامية، وأنّه قال ما قال من باب الشهادة بالحق في مثل هذه المجالس التي يقل فيها شهداء الحق، الذين يمحضون النصح لصاحب القرار.

دولة (أبو زهير) يحمل مهمة كبيرة وخطيرة، لها آثارها وتداعياتها على مستقبل الدولة، في مرحلة يصلح وصفها بأنّها انتقالية، تقتضي العبور نحو مرحلة جديدة يؤمل فيها الشعب الأردني أن يتمّ من خلالها إرساء قواعد التوافق الشعبي على معالم الخريطة الإصلاحية، ومسار خطوات الإقلاع بالبلاد نحو الديمقراطية الحقيقية التي تعيد السلطة للشعب بطريقة سلمية هادئة، وعبر منهج تشاركي يضمّ جميع مكونات المجتمع الأردني السياسية والاجتماعية، وبطريقة متدرجة ومدروسة.

لقد كان النسور معارضاً قوياً لقانون الصوت الواحد الذي ألحق ضرراً فادحاً بالحياة السياسية والاجتماعية، وأدّى إلى إفراز نواب لا يستطيعون القيام بواجبهم الدستوري الوطني المأمول، كما كان يحمل عدة مؤاخذات على رؤساء الحكومات التي عاصرها المجلس، ولقد سمعت انتقاده الواضح لدولة عون الخصاونة الذي قدم قانوناً مخالفاً لقناعته الشخصية التي أعلن عنها و تخالف مبدأ الولاية الدستورية العامّة التي رفعها شعاراً لحكومته، فينبغي ألا يسهم في بناء المرحلة الجديدة وفقاً لهذا القانون المرفوض.

ليس مطلوباً من الرئيس المكلف صنع المعجزات، ولكنّه أمام أولوية الأولويات التي تتمثل بصناعة التوافق الشعبي الذي يعد ضرورة ملحة في هذه المرحلة من أجل التأسيس للإصلاح المنشود شعبياً والمطلوب رسمياً، وذلك من خلال إعادة فتح باب الحوار مع القوى السياسية الفاعلة، ومع الحراك الشعبي، وتحقيق الحد الأدنى من مطالبهم العادلة، وهي ليست تعجيزية ولا خارج المعقول، حتى نخرج جميعاً من مربع الأزمة، ونغادر مرحلة الانقسام وثقافة التحريض والتعبئة، التي تنتمي إلى مرحلة ما قبل الربيع العربي.

الرئيس المكلف يعلم تماماً أنّه سوف يغادر، كما غادر من سبقه، ولكنّه بحاجة إلى صناعة الفرق الذي يميزه عن سابقيه وبحاجة أن يضع بصمته الخاصة المتمثلة بتحقيق إنجاز تاريخي يقفز الأردنيون عبره عدة درجات في سلم الإصلاح في ظلّ فرصة حقيقية يملكها الرئيس بشكلٍ فعليّ، يفرضها الواقع المحلي والإقليمي بكلّ تأكيد، ويدركها صاحب البصيرة.

فهل هذا ممكن، هناك شكوكٌ كثيرة تثار خاصة في ظلّ أول تصريح وأهمّ تصريح صدر عن الرئيس المكلف يفيد بأنّ الفرصة قد فاتت، ولا مجال للتغيير .

العرب اليوم

أضف تعليقك