النزول عن الشجرة.. قبل أن تذهب ريحكم جميعا!

النزول عن الشجرة.. قبل أن تذهب ريحكم جميعا!
الرابط المختصر

دعوة حزبي جبهة العمل الإسلامي والتيار الوطني، لتشكيل لجنة ملكية ترعى حوارا وطنيا شاملا، لـ"الخروج من حالة الاستعصاء السياسي"، تثير الشجون لدى المراقب الذي يتابع ترسخ حالة الاستعصاء السياسي في الساحة السياسية بالفعل. لكنه استعصاء بات مركبا ومتداخلا، لم يعد مقتصرا على علاقة الجانب الرسمي بالقوى السياسية المعارضة، أو غير المعارضة تقليديا.

مبادرة الحزبين، الإسلامي المعارض، والوطني الوسطي الذي يملك مواقف معارضة حاليا تجاه حكومة د. عبدالله النسور وبشأن قانون الانتخاب بصيغته الحالية أيضا، هي مبادرة مهمة وتحظى، بلا شك، بتقدير واهتمام. إذ ثمة، بالفعل، حاجة اليوم إلى البحث عن حالة توافق وطني، تعيد دمج الحركة الإسلامية في العملية السياسية، بعد مقاطعتها الانتخابات النيابية والبلدية الأخيرة، وتتعامل بإيجابية مع باقي الانتقادات والتحفظات السياسية على مآلات ومنتهيات الإصلاح السياسي.

وقد يكون المدخل الرئيس لمثل هذا التوافق، هو ذاته الذي ركزت عليه مبادرة الحزبين؛ أي من خلال بوابة تعديل قانون الانتخاب، وضرورة تعظيم مساحة نظام القائمة النسبية، وحصر الترشح عبرها على الأحزاب السياسية.

إلا أن هذه المبادرة، والمسرب السياسي المهم للاشتباك مع حالة الاستعصاء السياسي في الساحة الأردنية، لا يمكن أن يلغي الحاجة الأساسية لمسرب آخر من التوافقات الوطنية، قد لا يقل أهمية عن المسرب الأول، ألا وهو المتعلق بحالة الانقسام والاستقطاب الشديد، المشتعلة بين القوى السياسية المختلفة، والتيارات الفكرية والسياسية، على خلفية تداعيات انقسامات "الربيع العربي"، وتحديدا بين التيار الإسلامي والتيارات القومية واليسارية والعلمانية.

فخريطة القوى السياسية والحزبية والنقابية، المعارضة أساسا، لم تعد اليوم كما كانت عليه قبل سنتين؛ فثمة انقسام واستقطاب حاد يلف المشهد اليوم. وبين التيارات، الإسلامي والقومي واليساري، ما صنع الحداد! وتحديدا بينها حجم كبير من التناقضات والخلافات التي ولدتها الأزمة السورية المشتعلة، والانقسام في الساحة المصرية.

هذا الانقسام والخلاف في الموقف من الأزمتين السورية والمصرية، يعكس، بطبيعة الحال، خلافات وتباينات أعمق، فكريا وسياسيا، وفي صلب المشروعين السياسيين للتيارين. وليس المجال هنا للحديث في هذه الخلافات، وهي لم تظهر فجأة، وكانت دائما موجودة، لكن ما وحدته عصور القمع والإقصاء من قبل الأنظمة العربية الرسمية للمعارضة، بمختلف تلاوينها السياسية والأيديولوجية، ابرز "الربيع العربي" انقساماته بين تلاوين المعارضة العربية.

ليست المعضلة في الخلافات والتباينات في المشروعين الاسلامي واليساري القومي، فهذا هو الوضع الطبيعي. لكن المعضلة اليوم، هي في حدة الخلاف بين التيارين، وانزلاقه سريعا إلى خطاب كراهية وإقصاء متبادل ورفض للآخر إلى حد بعيد.

من يتابع تصريحات العديد من رموز التيارات السياسية العربية المتصارعة، وما يتم تداوله على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية بين أتباع هذه التيارات، من تخوين وتكفير وإقصاء ورفض للآخر، يشعر بما هو أخطر من "الاستعصاء السياسي".

مطلوب اليوم، ليس فقط لجنة حوار وطني مع الجانب الرسمي، وصولا إلى توافقات وطنية، بل أيضا حوار بين التيارات الفكرية والسياسية العربية، وامتداداتها الأردنية، توقف حالة الانحدار والانزلاق إلى مهاوي التكفير والتخوين والإقصاء.

ليس المطلوب اندماجا بين المشاريع السياسية للتيارات المتصارعة؛ بل المطلوب توافقات وطنية وسياسية، تحفظ حق الجميع في الاختلاف والتنافس السياسي والفكري، بعيدا عن التهديد والتخوين والاغتيال الفكري والسياسي.

هي مهمة ليست سهلة اليوم بلا شك، فـ"النزول عن الشجرة" لم يعد سهلا لدى الكثيرين للأسف. لكن، لا مناص من التعايش والتوافق بين التيارات السياسية والفكرية العربية، قبل أن تذهب ريح الجميع!

الغد

أضف تعليقك