الكرة في قبضة عامر شفيع!
أين تذهبُ الكرةُ في أيام السِلم؟!
لما يخرجُ السياسيون من ملاعبهم التي لا تتميَّزُ أبدا باللون الأخضر، ويكفُّ الاقتصاديون عن تخطيط سلم التضخم كملعب يبدأ دائما من نقطة "الجزاء"، ولما تصبحُ مهمة رجل الأمن الوحيدة حماية الفرح من الطيش، ويتفرَّغُ الإعلاميون لرصد نوبات النصر الخاطفة قفزةً، ثمَّ صَيْحَةً..؛ لما يحدثُ كل ذلك تعودُ الكرة بخنوع إلى قبضة عامر شفيع!
ومَنْ لا يعرفُ "عامر".. وهو منذُ أكثر من أسبوع "الحديث الشعبيُّ" في البلد، ومن الطبيعي أنْ يرتقي الحوارُ إلى مستويات رسمية رفيعة، فالعلمُ الوطنيُّ يَخفقُ بقوَّة في "الدوحة"، وأطرافُ المملكة الأربعة تلتئمُ على كفٍّ واحدة، أو فريق واحد!
كلٌّ الكرات في المباريات الثلاث الماضية، التي خاضَها المنتخبُ الوطنيُّ الأردني في نهائيات كأس آسيا، ذهبت طائعة إلى قبضة عامر شفيع، لتكون النتيجةُ إيجابية في المحصِّلة: بالتعادل (كما مع اليابان) أو بالفوز (كما مع السعودية وسورية على التوالي). وتمرُّ الدقائق التسعون كحلم يقظة، حتى تصبحَ الشوارعُ ملعبا غير منتظم للابتهاج!
هدنة من كلِّ شيء؛ بالطبع لن تطول كثيرا، وبأوسع مدى لن تزيد عن حجم دائرة صغيرة مملوءة بالهواء، لكنَّها تكفي لتأجيل الحوارات الدائرية المغلقة عن آلية تسعير المحروقات (وبالطبع تستثنى منها قيمة مشاوير الفرح العفوية بعد المباريات الثلاث)، وتعطي مساحة زمنية لاختبار "النوايا" الحكومية بتخفيض أسعار الموادِّ الغذائية (وحتما سيتغاضى الأردنيون عن إخضاع مكوِّنات أكلة المنسف الضرورية في المناسبات السارَّة، للاختبار مهما ارتفع سعرها)!
زمنٌ قصيرٌ لا يقودُ لحسم جدل عميق إنْ كان ما حَدَثَ في تونس "ثورة" أم "انقلابا"، ويبقى فيه "حزب الله" بريئا من دم "رفيق الحريري" و(القاتل مجهول) حتى صافرة النهاية، وليس من فائدة تزجيةُ ذلك الوقت بالسجال الإعلامي بين "فتح" و"حماس"، الأطول من مسلسل مكسيكي مضجر عن جريمة قتل مزدوجة، تجري في الحلقة الأولى بعد المائة!
الجدالُ المسموح الآن: أيُّ القبضتين لعامر شفيع أمتن؟!
ليس سؤالا سهلا كما يمكنُ التصور للوهلة الأولى؛ فالإجابة عليه تحتاجُ سهرات عائلية، يشترك فيها كلُّ الأنسباء، وقد تستدعي توقف العمل ساعتين أو ثلاثا في مؤسسات القطاع العام، ونصفها غير قابل للتعويض في القطاع الخاص، وقد تردُ خيارا خامسا لإجابة على سؤال توجيهي في مادة التربية الوطنية، يتطلبُ وضعَ إشارة على رمز الإجابة الصحيحة!
ولو لم تكن واحدة من قبضتي "شفيع"، على الأقل، متماسكة طيلة المباريات الثلاث، لما ازدادَ مصروف "عبدالرحمن" عشرة قروش دفعة واحدة، ذهَبَ بها إلى أقرب دكان في حيه المترب بمحافظة المفرق وابتاع حلوى تحمل صورة المنتخب، وما وَجَدَ "زهدي" نفسه يتحدى بَرْد "جبل الجوفة" الجاف ويخرُجُ طالبا الدفء بهتاف أثير يقسم فيه أنه يحب "عامر"!
و"شفيع" لعِبَ بداية في واحد من أفقر أندية المملكة، ثمَّ لعب، في واحدة من الحالات النادرة، مع القطبين: الوحدات والفيصلي، لكنه أبدا لم يرتدِ "الأخضر" أو "السماوي"؛ فالحرَّاسُ بعيدون عن "التكتيك" على المستطيل الخاص باللعب، وكلُّ همهم حماية "حدود" المرمى!
اليومَ ليس مسموحا استعارةُ التعبير الرياضي الشهير "الكرة في ملعب الخصم"؛ الذي يتبدَّلُ وفقَ الأهواء في "الملعب الصديق" سيتعلمُ الجميع قواعد جديدة للعبة؛ فالكرة هذا المساء ستبقى في قبضة عامر شفيع، ولن يُثير ذلك احتجاج الحكم المحايد. الأمر واضح تماما، وعلى "أوزبكستان" أنْ تعي جيدا أنه من الأفضل أن تبقى الكرة في ملعبهم!
الغد