القط، الزاوية والأسد

الرابط المختصر

تعتبر القطط في تصنيفاتها من الحيوانات البيتية الأليفة ، ومن الحيوانات التي يميل الإنسان لاقتنائها في بيته لسلوكها الوديع مع أهل المنزل إذا ألفتهم .

ولكن القطط - حتى الأليفة الوادعة منها - إذا وضعت في زاوية ، وتمت محاصرتها فيها، فإنها بسلوك فطري لديها تقوم بإبراز مخالبها ، لتنتقل من عالم الوداعة وتصنيف الألفة إلى الحيوانات ذات المخالب المؤذية ، والسلوك العدواني .

يتم ذلك بمجرد شعور القط بأنه في هذه الحالة يتعرض للخطر، وهو في خيار واحد إزاء هذا الواقع وهو الدفاع عن نفسه، حتى لا يقع فريسة سهلة في أيدي من يحشره في الزاوية . للأغبياء فقط ؛ لا تحشر قطاً في الزاوية .. وإلا ! .

ما تعلمنا في الإدارة ، وفي السياسة والعلاقات الدوليه ، وفي فن التفاوض ، وفي قواعد التربية ، وغيرها، القاعدة الهامة : “ عندما تحشر قطاً في الزاوية فحتماً سيُهاجمك “ وتعلمنا: “  ألا تجّبر خصمك لأصعب الخيارات وأضيقها، فلن يكون لديه شيء ليخسره أو يبكي عليه  “  .

وهناك قواعد وأدبيات أخرى كثيرة في ذات السياق، وذلك عندما نتكلم عن نظريات علمية وتطبيقات عملية في مجالات الحياة المختلفة يجب أن تراعى وتوضع الحسبان ولا ينبغي التغاضي عنها أو إهمالها، وإلا فالمتغافل أحد الخاسرين عاجلاً أو آجلاً بلا شك. أما لو أضفنا إلى ما سبق أن خصمك الذي تحشره في الزاوية، وتلجئوه إلى أصعب الخيارات صاحب عقيدة“ بغض النظر عن موقفك منها “ ؛ وعلى يقينٍ وقناعةٍ تامةٍ أنه على الحق، وأنه في كل الأحوال سيكون الرابح ، وأنك في كل الأحوال ستكون الخاسر ، فإنك ستكون أغبى أهل الأرض وأشقاهم إن تشبثت بموقفكم تجاهه .

أقول هذا كنصيحة للانقلابين الذي يدركون جيداً أدبيات خصومهم وعقيدتهم الفكرية : “ إما النصر وإما الشهادة ؛  “ نحن قوم لا نستسلم : ننتصر أو نموت ، فإما حياة تسر الصديق ، وإما ممات يغيظ العِدا، والموت في سبيل أغلى أمانينا و... غير ذلك كثير “.  ولو أضفنا إلى ذلك معرفتك السابقة وخبرتك الطويلة أن خصمك كلما ضيقت عليه الخناق، اشتد قوة وكلما تركته، امتد أثره، ثم بعد كل ذلك تأتي لترغي وتزبد وتهدده وتتوعده، بما يحبه، أو على الأقل، لا يخشاه !    

إن أقل ما ينبغي عليك فعله وأنت على هذه الحال من المعرفة والإدراك بخصمك - هو التغيير الحتمي لطريقة تفكيرك العقيمة، وإعادة النظر في  عقيدتك البالية : “ الضرب بيد من حديد، والضرب في المليان " وأنت قبل غيرك رأيت الناس “  باختلاف مذاهبهم وتوجهاتهم الفكرية " رأيتهم رأي العين لا يعدون الموت شيئاً، ويفتخرون كل الفخر بأن منهم شهيد ومنهم جريح ، وأدناهم من يفاخرون بأنهم شاركوا في الثورة على الفساد والظلم والطغيان. إن لم يستوعب تفكيرك كل ما سبق، ولم يُحرِّك لك ساكنا، فكن على يقينٍ جازم بأنك عندئذ الغبي الذي حشر القط في الزاوية الضيقة ونسي أن  “ الأسد “  من الفصيلة  “ القططية “ !