القرايا والسرايا
p style=text-align: justify;ثمة شيء غير مفهوم في قيام قوات الدرك (قبل يومين) بفض اعتصام للأيتام ومجهولي النسب، بقسوة غير مبرّرة؛ فما قاموا به فعالية سلمية غير مسيّسة، تعبّر عن مطالب إنسانية مشروعة، بلا أي سقوف عالية، ولم يكن هنالك أي سبب مقنع لاستخدام القوة معهم، ما دفعهم إلى طلب اللجوء السياسي لإنجلترا، في حركة إعلامية ذكية!في اليوم التالي، نقل الأيتام اعتصامهم إلى دوار عبدون، بعد أن عقدوا مؤتمراً صحفياً شرحوا فيه ما تعرّضوا له على الدوار الرابع./p
p style=text-align: justify;وأُسدل الستار على المشهد الأول بتغريدة للأمير علي على تويتر، يؤكّد فيها أنّ الملك سيأمر بحل مشكلتهم، فحقّقوا بذلك انتصاراً سياسياً على الحكومة التي تجاهلت تماماً اعتصامهم وقضيتهم، كما فعلت مع غيرهم (ربما تكون حكومة الواق واق هي المعنية بالأمر)!طيّب، إذا كانت الدولة فشلت –أمنيّاً- في مواجهة هذا الاعتصام لشباب لا يملكون أدوات إعلامية، ولا عمقاً اجتماعياً، ولا بكّايات سياسية، فكيف ستفعل مع أحداث الشغب التي تقع على خلفية مطالب خدماتية أساسية، مثل ما حدث بالأمس في مدينة معان، عندما أغلق عمال المياومة في مؤسسة سكة الحديد الطريق المؤدية إلى العقبة، ولم ينهوا الاحتجاج إلاّ بعد وعود من المسؤولين بحل مشكلتهم؟!يتم الاعتداء على أيتام ومجهولي نسب في اعتصام سلمي وإنساني؛ بينما تجري مفاوضات شاقة لاسترضاء عمال المياومة الذين قطعوا الطريق، فما هو- بالله عليكم- المعيار القانوني أو السياسي الذي تحتكم إليه الدولة في إدارة الأزمة المركبة الراهنة؟ إذ يختفي الوزراء والمسؤولون فجأة عن المشهد، ويتركون المشكلات تتراكم وتكبر وتتضاعف لتصبح أزمات، وتلقي الحكومة بالكرة الملتهبة إلى رجال الأمن والدرك ليتعاملوا معها في الشارع!سواء استخدمنا الأمن الناعم أم الخشن، فلا يمكن أن ينتج ذلك حلولاً مع مزاج شعبي متمرّد محبط، طالما أنّ الخلل هو في جوهر إدارة الأزمة السياسية في البلاد، بل لن يؤدي الاعتماد على الأمن إلاّ إلى توريطه في احتكاكات وصورة سلبية مع المواطنين والمحتجين./p
p style=text-align: justify;وهو بالفعل ما بدأنا نشهده خلال الأشهر القليلة الماضية، وتحديداً مع جهاز الدرك، الذي أصبح اللجوء إليه أمراً يومياً معتاداً، وهو جهاز يفترض ألا يشتبك مع المواطنين إلاّ عندما تتجاوز الأمور قدرات الأمن العام!تقودنا هذه المقدّمات إلى ملاحظة مهمة بأنّ منسوب العنف الاجتماعي والجامعي تراجع بصورة ملحوظة خلال العام 2011، وعاد إلى الصعود تدريجياً مع العام 2012، ثم بلغ الذروة خلال الأشهر القليلة السابقة!صحيح أن جزءاً كبيراً من المطالب والاحتجاجات اليوم هي مطلبية وخدماتية واقتصادية، لكن سبب العنف والاحتجاجات يكمن بصورة أساسية في سوء إدارة الأزمة السياسية، وضعف الحكومات ومؤسسات الدولة، وتضعضع شرعية اللعبة السياسية، وفقدان قواعدها التي تحكم الجميع!بيت القصيد أنّ عودة العنف المجتمعي والجامعي والتوترات الداخلية تزامنت مع شعور المجتمع بتراجع الدولة عن وعودها بإصلاحات جوهرية، مع التخلي عن مخرجات لجنة الحوار، ثم استقالة حكومة عون الخصاونة./p
p style=text-align: justify;وبلغ التوتر ذروته مع حكومة فايز الطراونة التي جاءت بقانون انتخاب يمثّل انقلاباً كاملاً على المشاريع المطروحة.الطريق إلى المستقبل تكمن في تغيير المناخ السياسي، وإعادة تدوير المزاج الاجتماعي نحو مشروع وطني إصلاحي جامع، وأفق سياسي واضح للجميع./p
p style=text-align: justify;بغير ذلك سنبقى نتخبط بأزمات سياسية طاحنة، طالما أنّ المعسكر البيروقراطي-الأمني لدينا يريد الإبقاء على معادلة سياسية صدئة، ويتعامل مع الإصلاح بوصفه تنازلاً للخصوم لا تجديداً للنظام والدولة والعلاقة مع المجتمع!/p
p style=text-align: justify; span style=color: #ff0000;الغد/span/p