الغياب عن جلسات مجلس النواب دستوري !!!
تكررت في الآونة الأخيرة ظاهرة قيام عدد من السادة النواب بالغياب عن حضور جلسات المجلس دون عذر شرعي، وتعمد البعض الآخر مغادرة الجلسة بعد فترة من انعقادها وذلك بهدف تهريب نصابها القانوني. إن هذه الظاهرة ليست بجديدة على المجالس النيابية في الأردن، ذلك أن النواب المنتخبين دائما ما كانوا يتمنعون عن حضور جلسات المجلس أو يتسربون منها كوسيلة لرفع الجلسة وتأجيل مناقشة أي قانون أو قرار معروض أمام مجلس النواب.
إلا أن الجديد في مجلس النواب الحالي هو آلية تعامل رئاسة المجلس مع هذه الظاهرة، حيث عمدت إلى نشر أسماء النواب الذين يتغيبون عن جلسات المجلس دون عذر مقبول والذين يغادرونها دون رجعة، فتتسابق الصحف والمواقع الإخبارية في إبراز النواب المتخلفين عن الجلسات ومهاجمتهم أمام الرأي العام وتحديدا أمام قواعدهم الانتخابية.
وتشير آخر الاحصائيات التي صدرت عن مجلس النواب إلى أن معدل النواب المتغيبين دون أعذار عن جلسات المجلس منذ بدء أعمال دورته غير العادية قد بلغ (4%) من العدد الاجمالي البالغ (150) نائبا، ناهيك عن أولئك النواب يغيبون بعذر عن جلسات المجلس.
وعلى الرغم من تفاقم هذه الظاهرة على مر المجالس النيابية السابقة إلا أن أحدا لم يفكر أبدا في التصدي لها وإيجاد الحلول المناسبة للقضاء عليها، لا بل فقد زاد المشرع الدستوري "الطين بله" بما أجراه من تعديل دستوري غير موفق على أحكام المادة (84) من الدستور عام 2011 والتي تتعلق بالنصاب القانوني لجلسات مجلس النواب. فبموجب التعديل الأخير لا تعتبر جلسات مجلس النواب قانونية إلا إذا حضرتها الأغلبية المطلقة من أعضاء المجلس، على أن تستمر الجلسة قانونية ما دامت هذه الأغلبية حاضرة فيها. أما النص الدستوري قبل التعديل فكان يشترط لقانونية جلسات مجلس النواب أن يحضرها ثلثا أعضاء المجلس على أن تستمر الجلسة قانونية ما دامت أغلبية أعضاء المجلس المطلقة حاضرة فيها.
إن حقيقة ما قام به المشرع الدستوري في التعديل الأخير أنه قد خفض النصاب القانوني لجلسات مجلس النواب بحيث أصبح يشترط لافتتاح الجلسة حضور ما مجموعه 76 نائبا فقط في الوقت الذي كان النص الدستوري قبل التعديل يشترط حضور 100 نائبا. فبدلا من أن يعالج المشرع الدستوري ظاهرة تكرار غياب النواب عن جلسات المجلس من خلال التشدد في النصاب القانوني لجلسات المجلس نجده يكافئ السادة النواب الذين يتغيبون دون عذر مقبول عن حضور الجلسات أو الذين يتعمدون مغادرة المجلس لتفقد الجلسة نصابها القانوني بالتالي يتم رفعها إلى موعد آخر.
إن هذا التخفيض في عدد النواب الذين يشترط حضورهم لاعتبار جلسات المجلس قانونية يثير شكوكا حول دستورية القرارات التي تصدر عن مجلس النواب وخصوصا تلك التي يشترط الدستور لصدورها موافقة أغلبية الأعضاء الحاضرين. فعلى ضوء تخفيض نصاب حضور الجلسات، فإن بعض القرارات التي ستصدر عن مجلس النواب سيكون عدد المصوتين لصالحها بالنسبة إلى العدد الإجمالي من النواب قليلا جدا لدرجة ستفقد معها تلك القرارات شرعيتها الدستورية على اعتبار أنه لم يوافق عليها سوى فئة قليلة جدا من اجمالي عدد أعضاء مجلس النواب.
كما أن تخفيض النصاب القانوني لجلسات مجلس النواب يثير شكوكا حول قدرة المجلس على أداء دوره التشريعي والرقابي على أعمال السلطة التنفيذية. فعلى الرغم من انتصاف مدة الدورة غير العادية الحالية التي بدأت مطلع شهر ضباط الماضي، إلا أن ما أنجزه مجلس النواب الحالي من تشريعات لا يتناسب أبدا مع حجم التوقعات الرسمية والسياسية من مجلس منتخب جديد يفترض به أن يعج بالحيوية والنشاط البرلماني. كما يثير تخفيض النصاب مخاوف من قدرة المجلس الحالي على التعامل مع الاستحقاقات التشريعية المقبلة المتمثلة في سن القوانين اللازمة لإنفاذ التعديلات الدستورية الأخيرة، وجملة من التشريعات الأخرى ذات الصلة بالإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي كقانون الانتخاب وقانون الأحزاب السياسية وقانون الضمان الاجتماعي وقانون المالكين والمستأجرين الذين ترنو إليهم عيون الأردنيين كافة.
ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في تفاقم ظاهرة تكرار غياب السادة النواب عن جلسات المجلس وتعمدهم مغادرة القاعة لفقدان الجلسة لنصابها القانوني غياب أية نصوص قانونية رادعة في النظام الداخلي لمجلس النواب تحد من تلك الظاهرة، وعدم تطبيق النصوص الخاصة بحضور النواب جلسات المجلس تطبيقا كاملا. فالمادة (149) من النظام الداخلي لمجلس النواب والتي تحظر على العضو أن يتغيب عن احدى جلسات المجلس أو لجانه إلا إذا أخطر الرئيس بذلك مع بيان العذر لا يتقيد بها غالبية السادة النواب. كما أن المادة (150) من النظام الداخلي والتي تلزم أمين عام المجلس في حال عدم انعقاد الجلسة بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني أن يضع جدولا بأسماء النواب المتغيبين بدون عذر قد بدأت الأمانة العامة لمجلس النواب تطبيقها حديثا ولكن بشكل عشوائي غير منتظم.
ولا تقتصر مشكلة غياب السادة النواب عن جلسات المجلس، بل تمتد لتشمل اجتماعات اللجان الدائمة والبالغ عددها (14) لجنة والتي تعتبر المطبخ التشريعي في مجلس النواب، حيث أظهرت الإحصائيات الأخيرة زيادة في نسبة النواب الذين يتغيبون عن الاجتماعات الدورية للجان، وهو الأمر الذي يعيق عملية مناقشة مشاريع القوانين وإقرارها قبل إحالتها إلى مجلس النواب.
خلاصة القول أن المشرع الدستوري عندما خفض من النصاب القانوني لجلسات مجلس النواب فإنه قد سمح للنواب بالغياب عن الجلسات بشكل أدى إلى تفاقم هذه الظاهرة. لذا فإنه ينبغي على مجلس النواب أن يعطي هذا الموضوع جل اهتمامه وذلك من خلال اللجنة القائمة على تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب بحيث يجب أن يتم فرض عقوبات نيابية على الأعضاء الذين يتكرر غيابهم بدون عذر عن جلسات المجلس وأولئك الذي يحضرون جزءا من الجلسة، وما أن تبدأ المناقشات النيابية لقانون معين حتى يخرجوا دون علم رئيس المجلس. وفي هذا السياق، فإننا ندعم الاقتراح الذي تبناه عدد من أعضاء مجلس النواب بأن يتم خصم مبلع مئة دينار من مكافأة النائب الشهرية عن كل جلسة يتغيب عنها أو يغادرها بدون عذر مشروع. فالنائب الأردني يتقاضى مخصصات شهرية قيمتها 3500 دينار مقابل ما مجموعه 12 جلسة شهرية يعقدها مجلس النواب بحيث يتقاضى عن الجلسة الواحدة ما قيمته 290 دينار، فيكون من العدل أن يخصم من ذلك المبلغ ما قيمته مئة دينار عن كل جلسة يتغيب عنها النائب أو يغادرها دون وجه حق وذلك كحل مقبول للقضاء على ظاهرة الغياب عن جلسات مجلس النواب وتهريب نصابها القانوني.
العرب اليوم