العيد وأسئلة الجيوب الفارغة
ألقت المعركة الانتخابية أوزارها، وذهبت أموال بالملايين إلى ما ذهبت إليه من شراء للذمم واستخدام لدعاية الترشيح وإنفاق على المقرات والولائم والهدايا وسواها، وهو ما يقدره اقتصاديون بما يفوق مائة مليون دينار لم تشمل العاصمة فقط، وإنما بقية المناطق الاردنية ايضا.
فمن كان يصدق أن مرشحا واحدا في الكرك لم يحالفه الحظ أنفق مليوني دينار على حملته الانتخابية؟!
الشهر الماضي كان موسما للانفاق بامتياز، فلقد شهدت المطاعم ومحلات الحلويات وأصحاب الخيم والكراسي وكل المؤسسات والشركات ذات الصلة بها نموا كبيرا في الطلب بعد تدفق عشرات الملايين الى تلك القطاعات، ورافقها طلب متزايد ايضا على معظم السلع الغذائية، وانتعشت الحركة التجارية عموما وبما شمل حركة المواصلات، وارتبط هذا الموسم الانفاقي بعيد الاضحى الذي ضخ فيه أصحاب الاضاحي ما يقارب 30 مليون دينار، ويتوقع لهذا الرقم أن يزيد في الايام المتبقية من عطلة عيد الاضحى.
دع عنك ما أنفق، ولنلتفت الى ما لم ينفق، فثمة جيوب فارغة استقبل أصحابها العيد من دون أي قدرة على المواجهة، فالعيد في منتصف الشهر، وأرباب الأسر خرجوا قبل وقت قريب من اختبارين قاسيين هما عيد الفطر وبدء الدراسة في المدارس والجامعات، وكلنا يعرف كلفة التدريس في البلاد وتزايد أعبائها على الأسر لا سيما الفقيرة.
ووفقا لمسح الفقر الأخير، فإن 781 ألف فقير دون خط الفقر العام يقبعون في 32 جيبا للفقر قد استقبلوا العيد من غير سلاح مالي يساعدهم على تحقيق جزء من فرحة مفترضة لأبنائهم.
وتنضم الى عدد الفقراء، الذي أظهره المسح، أعداد أخرى تنضوي ضمن قائمة الفقراء، ولكنها ليست تحت خط الفقر (56 دينارا شهريا للفرد الواحد)، وعلى أقل تقدير يوجد مليون مواطن أردني لا حول لهم ولا قوة لمواجهة استحقاقات العيد ومستلزمات الانفاق، ولم يتمكنوا -بعبارة أقسى- من رسم ابتسامة على وجوه أطفالهم المحرومين في صبيحة يوم العيد.
على قارعة الطريق وفي الأرصفة، وجد بعض المحرومين فرصة متواضعة لتحقيق تكيف لحظي مع نفقات العيد التي لا تنتهي.
ففي بسطات عمان والزرقاء متسع لمن أراد أن يفرح أبناءه بملابس ذات سعر مقبول، والمفاوضات نجحت مع الزوجة لجعلها تقبل مجددا بالثوب القديم الذي مضى على شرائه خمس سنوات ولا بأس ببعض العيديات التي تمكن الطفل من ركوب الارجوحة والتحليق في الفضاء هربا من أرض استمرأ الزحف عليها لوقت طويل، ومع كل سؤال وقبل كل لحظة حزن ترتسم على الوجه أو رغبة في الحياة لأي من أفراد الأسرة، يهيم الاب جزعا وقلقا وخوفا من المكاشفة القاسية التي تفرضها لحظة العيد وأسئلة الاطفال المحرومين، وكأن سؤال الشاعر المتنبي قبل 11 قرنا ما يزال قائما بل ومشروعا حتى يومنا هذا عيد بأية حال عدت يا عيد.
الاموال التي أهدرت في حملات الدعاية الانتخابية ولت الى غير رجعة، وكان بالامكان أن يساعد نصفها على جعل العيد مناسبة سعيدة لمن لا يقوى على مواجهة نفقاته من فقراء الاردن، والفقد بالنسبة للبعض جاء مزدوجا، فلقد تبخرت أموال من باع بها صوته وصوت أبنائه وبناته، وفقد بعدها ما تبقى من كبرياء كان يتسلح به كلما زادت قسوة الحياة، وها هو يدخل بوابة العيد فارغ الجيوب، وضميره يصر على سؤال يتكرر في كل ثانية، لماذا أقدمت على هذا الفعل المشين؟ لماذا قمت قبيل عيد الاضحى بالتضحية بنفسك؟
span style=color: #ff0000;الغد/span