العقلية الدوغمائية في الأردن ؟!

العقلية الدوغمائية في الأردن ؟!
الرابط المختصر

لا زالت تتحكم في مفاصل الحياة الأردنية والعربية عموما، العقلية الدوغمائية(DogmaticMind) و توصف هذه العقلية بأنها عقلية استكبارية جامدة تحيط نفسها بسياج معتقداتي خاص بها، يحول بينها و بين التعاطي مع الجديد أو إعادة النظر بما هو داخل السياج،وهذه العقلية تعمل وفق نظام التقليد و التكرار و الاجترار فينتج عنها تفكير سكولاستيكي تكراري اجتراري مضاد للتغيير، و أصحاب هذه العقلية هم بالضرورة أصحاب منطق متيبس عاجز عن إعادة النظر في ما يملأ عقولهم من بيانات و أفكار و أحكام، لا بل أنهم يتعصبون لما لديهم من أفكار و يرفضون عرضها للفحص.

والدوغمائية حسب مكتشفها (ميلتون روكش) تعني عدم قدرة الشخص على تغيير جهازه الفكري عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك،فالعقل الدوغمائي لا ينكر الحقائق فقط بل يحتقرها إلا إذا جاءت في خدمة أفكاره المسبقة و أحكامه المقررة سلفاً، و صاحب مثل هذا العقل يعتقد أنه يملك اليقين المطلق و أن ما لديه من أحكام مسبقة هي أحكام صحيحة و نهائية و لا داعي لعرضها على النقاش.

وفي ظل سيادة هذا العقل تنتعش (المقولبات) في حياة المجتمع، بمعناها الكاسح القاطع، حيث تصدر الأحكام المسبقة سلفاً ضد فئات واسعة من الناس، و تطلق الأوصاف بسرعة فائقة على ظواهرسياسية و اجتماعية معقدة، عبر استخدام أحكام تبسيطية او تهويلية تفتقر لأدنى درجات العلمية و الموضوعية و الحياد.

و يحذرالمختصون من خطورة المقولبات في حياة المجتمع، لأنها تحبس العقل في قالب سميك، فينتج عنه فكر مقولب و حكم مسبق،و الحكم المسبق بطبيعته هو حكم تعميمي أعمى و هو عبارة عن يقين تبسيطي لا يخضع لأي تفسير علمي، كما أن الفكرة الناتجة عن العقل المقولب هي فكرة تعميمية ساذجة، وهي تشويه مفرط للحقيقة و مؤشر على رأي أحادي ضيق و ثقافة حشوية متوقفة.

وقد عانت المجتمعات عبر الزمن الطويل من قسوة الأحكام المسبقة التي كانت دائماً تترافق مع تمجيد مفرط للذات و انكارشديد للآخر ، فالذات المستعلية المحكومة بالدوغما، تقدس نفسها بنفسها،و لا تفهم أن الآخر له حق الاختلاف.

و إذا كنا في الأردن لسنا المجتمع الوحيد الذي يعاني من طغيان الدوغمــــــــــا و المقولبات و الأحكام العمياء، إلا أننا نقدم كمية هائلة من الأمثلة الحيّة على سيادة هذا التفكير اللاعلمي واللاموضوعي و اللامنصف في مختلف مجالات حياتنا، و يكون الأمر أكثر خطورة عندما يكون هذا الفكر متغلغلاً في مفاصل دوائر الدولة و مؤسساتها، حيث يشكل أصحابه بما يملكون من سلطة و نفوذ سداً منيعاً في مواجهة قوى التغيير و التصحيح.

وإذا كانت المعركة قد حسمت منذ زمن بعيد في المجتمعات المتقدمة لمصلحة العقل العلمي المدني الحديث، فأنها ما زالت غير محسومة عندنا، فما نراه واقعياً أن أصحاب العقل الدوغمائي لا زالوا يحكمون سيطرتهم على الحياة العامة لا بل أن كثيراً من أصحاب الفكر التحديثي يضطرون للتخلي عن حداثتهم و يضعون أنفسهم في خدمة العقل المسيطر تحت إغراء المطامع المادية.

وما لم يحسم الأردن خياره الفكري والسياسي والاجتماعي لمصلحة قوي التقدم و الحداثة بمعطياتها الحقيقية الجوهرية وليس الشكلانية، فان المجتمع بأكمله سيظل مرتهناً لعالم ما قبل الحداثة، علي أن الحداثة لا تتحقق و لن تتحقق حتى لو استوردنا كل إبداعاتها المادية، لأنها في الأصل مسألة فكرية وسياسية واخلاقية ومسلكية.

ولن تغرنا أعداد الخريجين من الجامعات المرموقة الذين يزج بهم في الكثير من مراكز صنع القرار، فهؤلاء لا قيمة لهم إلا إذا اثبتوا ميدانياً حداثة تفكيرهم وأساليب عملهم و جدية التزامهم بقواعد الفكر الحديث و النهج العلمي الصارم ، و ليس جديتهم في العمل على توسيع دوائر نفوذهم و سلطتهم وثروتهم.

فالتقدم و الحداثة و التحضر ليست مسائل شكلانية مظهرية إدعائية مناسباتية، بل هي عمليات حقيقية تجري في العمق، و تصيب أسس التفكير و أنماط السلوك و أساليب العمل و آليات الحكم وصنع القرار،والتحضر الذي لا يصيب الإنسان في داخله يظل تحضراً شكلياً مستعاراً مملؤاُ بالنواقص والعيوب.

إننا ببساطة نريد إحراز التقدم، والتقدم الذي نريده هو تقدم حقيقي وفعلي ومستديم ويصيب كل مجالات حياتنا وأول ما يجب أن يصيب هذا التقدم مراكز التحكم و السيطرة في الدولة ومؤسساتها، لما لها من أهمية كاسحة في حياة المجتمع، مجتمعنا الذي قدم منذ مطلع القرن الماضي المزيد من الأدلة و البراهين على انه مجتمع يريد الانعتاق والتقدم و التحرر والحياة الكريمة.

باحث في التنمية المحلية وتطوير المنظمات

أضف تعليقك