"الطرابيش" في الاعلام!
شيء ما لاتفهمه يلف الاعلام الرسمي في البلد ، منذ عقود ، وازداد غموضاً ، في بحر السنين الماضية ، دون ان يفك احد سر هذا الغموض.
الغموض يتعلق بالتوصيف الوظيفي لدور الاعلام ، وهو توصيف لايرتبط بهذا او ذاك ، او بمرحلة هذا او ذاك ، حتى لانبدو كمن يتحدث عن فلان ، ويلمح الى فلان ، ويرتقي بفلان ، وينزل بفلان ايضاً.القصة ليس قصة الاشخاص.قصة السياسات اولا.
اذا ذهبت الى دولة بمستوى الولايات المتحدة ، تكتشف انها حريصة تماماً على علاقاتها وصورتها في الاعلام الاجنبي والعربي ، فتبقى سفاراتها على اتصال بالاعلام ، خارج الولايات المتحدة ، ولم يبق صحفي الا وتمت دعوته لزيارة واشنطن.
اذا ارتحلت الى دول شمولية وعقائدية متشددة ، كالصين ، تجدها تأخذ ذات المنحى ، فلا تترك صورتها في الخارج لاحد ، وتسعى بكل الطرق لتحسينها ، وتفتح قنوات الاتصال على الاعلام ، بذات الطريقة الامريكية ، لان الامر يتجاوز الدعاية الى المصالح.
اذا وليت وجهك نحو دول فقيرة وتعاني من مصاعب اقتصادية ، ومشاكل ، كالسودان واليمن ، تجد ذات الاسلوب ، فلايتم ترك الاعلام العربي والاجنبي لرواية واحدة ، ويتم فتح مئات القنوات ، من اجل صورة هذه الدول ، وتبني مصالحها ، والا فالسكوت في حالات.
معنى الكلام.هنا في الاردن هناك نظرية جديدة تقول ان اعلام الدولة هو مجرد "خبر" يتم بثه عبر الاعلام الرسمي ، او تسريبه عبر وكالة انباء اجنبية ، فيما الصورة الانطباعية للبلد ، تتراجع بشدة تحت وطأة اهمالها.
ليس ادل على ذلك من صياغات الصورة الانطباعية في قصص كمباراة الوحدات والفيصلي ، وبيان الاسلاميين حول افغانستان ، والانتخابات ، وملفات اخرى تستغرق دهراً في عدها.
الصورة الانطباعية في الاعلام العربي والاجنبي لاتعني التغني بالاردن على طريقة "نحن احسن ناس"ونحن الافضل والاكفأ والاطهر الى اخر هذه القصص القديمة.هي تعني ببساطة مصالح البلد.
مصالح البلد هنا سمعته السياسية وجاذبيته الاقتصادية والاجتماعية والسياحية ، الى عناصر اخرى ، كلها يتم تسييلها عبر اعلام ذكي يصيغ الصورة الانطباعية ، ويحولها الى سمعة تجلب منافع تبدأ بالسياحة والتعليم والعلاج وتصل الى الاستثمار وحفظ وجه البلد السياسي ، وتكريس صورة ايجابية عن الاردني في كل مكان.
عندنا تفكيك لمؤسسة الاعلام الداخلية ، واهمال للاعلام الخارجي ، العربي والاجنبي ، وحتى العلاقات التي تأسست على مستويات محددة مع كتاب ورؤساء تحرير واعلاميين ، كلها تم تفكيكها تدريجياً ، حتى بتنا نتلفت فلا نجد احداً يسمعنا.
فوق ذلك وصل التفكيك الى الرواية الاعلامية المحلية ، التي بات تسويقها ضعيفاً في الداخل ، وغير مقنع ، وركيكاً ، الى الدرجة التي تقول فيها للناس ابحثوا عن الاعلام الخارجي ، ونحن نعرف اننا نركلهم الى اعلام ليس لنا فيه اي حصة ، فأي مفارقة هي تلك؟.
الدول الغنية وتلك الفقيرة.الدول الغربية وتلك المتشددة.المتطورة والمتخلفة.كلها تشترك في نقطة واحدة هي صناعة الاعلام قدر الامكان.
نتفرد عن الجميع بنظرية عز نظيرها تقول بجواز تصغير صناعة الاعلام الى مجرد تحرير خبر ، وتركه في الهواء معلقاً ، وكأننا مركز الكون ، والجميع سينصاع للرواية الركيكة والضعيفة.
يتعامى البعض اننا لسنا وحدنا في هذا العالم ، فهناك روايتك ، ومقابلها مئات الروايات المضادة ، وهناك صناعتك وصناعة غيرك ايضاً.
القصة قيل فيها الكثير ، والدول توفر اموالها ، لكنها لاتقترب من ملفات مثل الاعلام.كارثتنا ليس فقط اننا لا نسعى لصناعة صورة اعلامية منافسة وقوية ، بل تخلينا عن عشرات العلاقات الشخصية والاعلامية ، مع عشرات الاسماء عربياً واجنبياً.
كأننا نقول لكل واحد من هؤلاء اننا لانريدك ولانحتاجك ولاقيمة لك ولمؤسستك ايضا ولتأثيرك فوق ذلك.
حتى اولئك الذين اقتربوا من الاردن في بحر سنين فائتة ، عادوا وابتعدوا لانهم لم يجدوا خطاً واضحاً بإدامة العلاقات معهم.
اصحاب القرار لو سألوا في الاعلام العربي والاجنبي ، لوجدوا حرداً كبيراً على خلفيات كثيرة ، اقلها شعورهم ان عمان الرسمية لا تلتف اليهم بأي ترتيب ، وفي هكذا حالة يديرون صياغاتهم بمعزل عن اي معلومة او فكرة اردنية.
كلما اثير هذا الموضوع قيل عن صاحبه انه يبحث عن وظيفة رسمية ، وهو هزل في هزل ، لان القصة اعمق من هذا بكثير ، ولايقدر عليها "بيك" او اكثر من حملة الطرابيش ، هي قصة وطن يترك وجهه للجميع للعبث فيه ، واغراقه بالمكياج الرديء في حالات اخرى.
يقال ايضا ولى زمن "الصرر" هذا كلام جميل على الرغم من ان دول كثيرة نجحت اعلامياً بمعزل عن شبهة "الصرر" الخفيفة والثقيلة.
لايفهم بعضنا ان اعلام الدولة ليس نفيراً ولا هديراً ولاتلويحاً ولاتهديداً ولابياناً.اعلام الدولة يعني مصالحك واستقرار الداخل ، وصورتك في الخارج بما تعنيه من منافع ورد للضرر ، وبهكذا معنى فهو يقترب من خانة المصالح العليا للبلد.
الطربوش مفيد.في الصيف والشتاء ، غير انه في الاعلام لايعني شيئا ابداً.
الدستور