الشعب وما يريد

الشعب وما يريد
الرابط المختصر

الهدير الأسطوري "الشعب يريد إسقاط النظام"، هذا الشعار–الأيقونة والصناعة الباهرة والملكية الفكرية بلا منازع للثورات العربية، الذي تبدت أصالته وتأثيره الساحر بانتقال عدواه من بلد إلى بلد، مرّ من فوقنا من دون أن يتوقف، واستقرّ في سورية التي لن يتركها حتّى يقضي الله أمرا بين الشعب والنظام.

والحقيقة بعد كل هذه الأشهر أنه ثبت ببساطة أن الشعب عندنا لا يريد إسقاط النظام! فالشعب لم يخرج بهذا الشعار الى الشارع وحتما ليس بسبب الخوف، فالشعب الأردني ليس أقلّ من بقية الشعوب العربية جرأة، وحتما ليس أقلّ من الشعب السوري الذي يخرج بإصرار أكبر كل جمعة ويكرر بلا وجل أن "الشعب يريد إسقاط النظام"، رغم مواجهته نظاما هو الأكثر قسوة وإجراما، وقد تحول إلى قاتل متجول بين المدن والبلدات يكرر القتل ويكرر الكذب.

لقد ثبت أن القمع لم يعد إطلاقا يخيف الشعب ويردعه، لكن ما يحدث عندنا في الأردن هو أن الشعب حقا لا يريد إسقاط النظام، فماذا يريد؟! القوى السياسية اختارت له الشعار البديل وهو "إصلاح النظام"، لكن هذا الشعار رمادي اللون لا يصلح لإعطاء المظاهرات هدفا واضحا ومحددا، ولذلك أصبح "التفشش" بالحكومات أو مجلس النواب هو المتوفر، وأصبحت الطرفة الرائجة أن الشعب يريد إسقاط الحكومة "القادمة"!!

ليس لأصحاب القرار أن يرتاحوا إلى هذه المراوحة والضبابية والحيرة لدى شارع، فهناك توتر كامن وهناك حراك سياسي، والفاعلون الاجتماعيون يتحفزون للتغيير من دون أن يتضح تماما ما هو التغيير المأمول.

والشعب لا يعرف بالضبط على وجه اليقين ماذا يطلب، لكن إذا ما تباطأ الإصلاح ولم تتحقق نتائج ملموسة، فإن أحدا لا يستطيع أن يتنبأ ما الذي سيحدث. يجب على القوى الفاعلة وعلى أصحاب القرار أن يقدموا مشروعا حقيقيا للتغيير هو الآن التعديلات الدستورية التي ننتظر خلال الأيام المقبلة أن تعلنها لنا اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة الدستور.

ويجب أن تكون التغييرات حقيقية وعميقة تعيد ترتيب مفاصل السلطة والعلاقة بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، بطريقة واضحة ومقنعة بالنسبة لنظام ديمقراطي عصري. مثلا في الدستور يحدد توزيع السلطات كالتالي: تناط السلطة التنفيذية بالملك ويمارسها من خلال وزرائه، وتناط السلطة التشريعة بالملك ومجلس الأمة، وتناط السلطة القضائية بالمحاكم وتصدر أحكامها باسم الملك.

وحسب ما أرى، فالدستور يجب أن يقول ببساطة إن الملك هو رأس الدولة وجميع السلطات، وتناط السلطة التنفيذية بالحكومة، والسلطة التشريعية بمجلس الأمّة، والسلطة القضائية بمجلس القضاء الأعلى، ثم يفصّل وظائف ودور كل سلطة.. وللحديث صلة.

الغد