الشرف الرفيع

الشرف الرفيع
الرابط المختصر

قاضٍ أردني يرفض تزويج فتاة حامل لم تتم الثالثة عشر من عمرها أو إجهاضها، منذ أسابيع، وفق القانون نفسه الذي لا يجرّم والد طفلها، ولا تزال الدولة خاضعة لاشتراطات رجال دين وفعاليات اجتماعية تعارض تعديلات تطال قانون الأحوال المدنية، وقانون العقوبات كذلك.

تفضح هذه الحادثة حجم التناقض الذي يحكمنا، وأننا نواجه مشاكلنا بعقل مهزوم وضمير مأزوم، فالقاضي اصطدم بقانون الأحوال الذي يشترط تزويج الفتاة ببلوغها الخامسة عشرة من عمرها، وكذلك بقانون العقوبات الذي يمنع إجهاض المغتصبة، ولم يذكْر القانونين الجاني بسوء!

"سوء" يلاحق الطفلة وحدها، التي ستفقد حتماً فرصة إكمال تعليمها وحصولها على عمل، وسيلقى على كاهلها مسؤولية ولدها القادم إلى الدنيا نتيجة خطيئة تتحمل مسؤوليتها كاملة أمام مجتمع لن يبالي بطلاقها لاحقاً أو بفشلها في الحياة.

فتيات يُكتب لهن حياة مذلة، في حال نجاتهن من القتل باسم الشرف، بموازاة أخوات لهن يتزوجن دون الـ18 سنة، وتنهتك طفولتهن ويحرمن من حق اختيار الزوج، لتُشكّل 15% من مجموع أسرِنا (تقديرات المحاكم الشرعية) بأمّ جاهلة ومعرّضة غالباً لأمراض عضوية ونفسية نتيجة الحمل والولادة.

ورغم فداحة الكارثة والإحصائيات المثبتة؛ يُنكر أساتذة الشريعة في الجامعات، وجموع المشايخ –المكرّسة سلطتهم بشكل تلقائي- ويؤكدون أن الأردن لا يشهد ظاهرة تزويج القاصرات، وهم بذلك لا يعترفون بالواقع فحسب، إنما يمثلون أكبر عائق في وجه المطالبين بتعديل القانون لرفع سن زواج المرأة إلى الثامنة أو التاسعة عشرة.

يتحالف رجال الدين مع التخلف حين يصرون على أن قانوني الأحوال المدنية والعقوبات "يحفظا الأسرة من التفكك"، متجاهلين عن سابق إصرار وترصد مواجهة الحقائق القائلة بارتقاع نسب الاغتصاب واللقطاء والعنف الأسري الذي يتركز بصورة أبرز لدى الأسرة الناتجة عن زواج القاصرات.

سلوك مرَضي لا يزال يتفشى لدى الشباب الأردني، الذي يربط بين "عفة" المرأة وانخفاض عمرها، ويجري تعزيز هذه القناعة لا تراجعها كما يتصور البعض، فمحاولات التركيز على ارتفاع سن الزواج لم تؤد حتى الآن إلى تقليل نسبة الزواج المبكر، وفق الأرقام المسجلة رسمياً.

أوهام العفة وحالات الشبق الجنسي تجاه الأطفال يكشفها الزواج من لاجئات سوريات قاصرات، حيث سجل زواج 735 فتاة سورية قاصر عام 2013  –خمسة أضعاف الحالات المسجلة في عام 2012 حسب إحصائية أصدرتها دائرة قاضي القضاة مؤخراً- وهو ما يؤشر على مزيد من التشوهات والاضطرابات المجتمعية المقبلة.

اغتصاب مشرعن قانونياً تعززه فتوى دينية وانحرافات اجتماعية تتذرع بدوافع الحفاظ على الشرف الرفيع والعفّة، فيما ينتهك مجتمع بأكمله لا أجساد طفلاته فقط.

كاتب وصحافي. محرر “تكوين” في عمان نت.

أضف تعليقك