إن أحد رهانات الحكومة الحالية هو إجراء انتخابات نيابية نزيهة وبكل شفافية وتوفير كل السبل لضمان تحقيق هذا الوعد الذي هو أمر طبيعي ولا حاجة لتأكيده كما يقول المستشار السياسي للحكومة ، ولكن التجارب السابقة وما رافقها من خلل خلقت واقعاً من الشك في مستوى الثقة والعلاقة بين الحكومات وما يريده الناس. والإشكالية في الواقع هي أن قناعات الشق الثاني من المعادلة (الناخبين) لا تأخذ بجدية تصريحات أية حكومة ، متناسين دور الناخب في تكرار انتخابات ممثليه بطرق تؤدي حتماً إلى هذه الأنماط من المجالس النيابية المتعثرة. إن المواطن ، مهما كانت ثقافته وانتماءاته الفكرية فإنها تسقط أمام الواقع الذي يعكس حالة لا يمكن أن تقود إلا إلى هذه النتائج المخيبة للآمال.
ولعل الجميع ينسون الأسباب الكامنة وراء حل مجلس النواب السابق (ولأول مرة) لأسباب غير سياسية. ومن هنا جاء إصرار الحكومة وتقديم ضمانات لمنع الفساد والرشوة وتغول رأس المال في هذه الانتخابات بعد أن انتهت من تقديم قانون انتخاب مؤقت جديد وحاولت الرد على المعارضين بجدية والإجابة عن الأسئلة الصعبة ، وتضمنت تصريحات دولة رئيس الحكومة مفردات مثل "المال السياسي جريمة انتخابية وسنطبق القانون بحزم".
وبدأت منظمات المجتمع المدني وأدوات الحكومة السياسية العمل بسرعة للتعامل مع القانون ميدانياً وطرحت شعارات لتكثيف المشاركة وبخاصة الشبابية وتسهيل عمليات التسجيل ومنع الانتقال من الدوائر القديمة إلى الدوائر الجديدة أو بالعكس. وفي محاولات تسويق الإعلان ، ظهرت شعارات بمفردات باللغة العامية تلعب دوراً مثل عملية "إقناع" المستهلك للإقبال على استهلاك سلعة بطريقة سيكولوجية. وهذا في تصوري محاولة للتماهي بين سلعتين مختلفتين ، سلعة مادية وسلعة اقتراضية. ويجب الحذر كما يقول المثل الشعبي "تخرب الطبخة إذا كثر العواسون - الطباخون" ، وعلى كل حال ، فإن علينا أن نقبل بهذا النمط أو النوع من الإعلانات في زمن يستدعي التغيير.
كانت أهم المفردات الشعبية والحكومية ، هي التوجه نحو الشباب. وقد أخذت الجامعات الأردنية دور الريادة وهكذا جاءت لقاءات دولة رئيس الوزراء بالشباب وبشباب الجامعات لتحفيزهم على المشاركة وأهمية هذه المشاركة. ولعل نشاطات وزارة التنمية السياسية قد تركزت على هذا الجانب. وقد قامت الحكومة بتعيين المستشار السياسي والناطق الإعلامي الأستاذ سميح المعايطة وهو من الكتاب السياسيين المرموقين في الوسط الإعلامي ، وأسندت إليه مهمات ليست سهلة. وقد حظيت الجامعة الهاشمية ، مثل جامعات أخرى ، باستضافته ومدير الأحوال المدنية والجوازات الأستاذ مروان قطيشات في لقاء حواري مع الطلبة.
وقد كان الحوار نوعياً وصريحاً ، وأعتقد أن المستشار السياسي قد نجح في خلق أجواء غير مسبوقة في المفاهيم حول معنى انتخابات نزيهة وضمان عدم استقواء المال السياسي وتكرار تجارب الماضي التي خلفت أجواء من عدم الثقة بين الناس والحكومات وحاول الخروج من جلباب الحكومة. وكان حديث "الباشا" مدير الأحوال المدنية والجوازات ، واضحاً وبخاصة في منع محاولات الاختراق والالتفاف حول القانون. وفي اعتقاده ، وهو صادق ، بأن الدائرة صمام أمان وأحبطت جميع الأساليب ومحاولات البعض مخالفة القانون والتعليمات وقامت بإجراء تنقلات فورية بين الموظفين في حالة وجود شبهة ، تحوطاً منها في "القيل والقال".
ويبقى السؤال لماذا الشباب؟ أعتقد بأن لكل مرحلة أبطالها وشعاراتها. وإن المرحلة الراهنة لا بد وأن تتجاوز سابقاتها على طريق الديمقراطية المعاصرة والشباب هم وقودها وأبطالها. وإذا كانت للحكومات أدوارها ولا بد أن تكون لها بصمات على انجازات المرحلة ، إلا أنها مهما حاولت فإن هناك قوى غلابة تمثل روح المجتمعات وروح النهضة لا بد أن تفرض إرادة الناس والجماهير (كما هي المصطلحات الأيديولوجية). الشباب يمثلون الشجاعة والجرأة وفي داخلهم مشاعل الحرية ونزعات التغيير. وارتباطهم بالواقع ليس مصلحياً وإنما يجسد المصلحة العامة. وإذا تطلعنا إلى الوراء ليس في الأردن أو العالم العربي فقط فإننا ندرك مدى أهمية الشباب في القضاء على الفساد والظلم وإحداث التغيير وبخاصة في الدول الديمقراطية.
إننا متفائلون بمستقبلنا وبدور شبابنا الذين هم رهاننا على المستقبل وهم فرسان التغيير كما كنّاهم جلالة الملك عبدالله الثاني. ويمكن أن ندرك بأن الحكومات لا تصنع التغيير والمطلوب منها هو حماية رواد التغيير وعدم منعهم من التقدم. وأعتقد أن هذه الحكومة والوزارات ومنظمات المجتمع المدني تحاول أن تقدم الدعم. ولكنني أجزم بأن هذا المجلس لن يكون مثل المجالس السابقة بل سيكون أفضل ، والله أعلم.