الحلم الأردني في حقيبة كيري
حلم الأردنيين الذي طال انتظاره وتأخر فجره في دولة قوية متحررة من الإرتهان الاجنبي والتبعية الخارجية, وخالية من طاعون الفساد وسرطان الاستبداد, وكواحة للديمقراطية، ومتنفس للحرية، ومنارة لحقوق المواطنين وإقامة العدل والقسط بين الناس وطليعة لمشروع نهضوي مستقل، وكأنموذج في تحقيق السلم الاهلي والامن الاجتماعي, وكم كنا قريبين من انتاج هذا الانموذج العبقري ابتداء من عام 1989م غير ان الحلم سرعان ما انقشع بايدي النفعيين واصحاب المصالح الضيقة، وعلى ايقاع معاهدة التسوية مع العدو الصهيوني وما تبعها من تحول نحو التغريب والخصخصة والليبرالية السلطوية الجديدة التي حولت الوطن الى عقار، وأصبحت مهمة النفعيين فيه تجارة الاستيراد والعمولة "الكموشن" ونقل كل شيء من الغرب إلّا ديمقراطية التداول السلمي للسلطة وتمكّين الشعب ان يكون مصدراً للسلطة او شريكاً فيها, وهي الحالة الوحيدة التي تلتقي فيها السلطة مع مجاميع اجتهادية ترى في الديمقراطية كفراً ورجساً من عمل الشيطان.
الاردنيون طليعة نخبوية في الأمة يستحقون ان يُنظر اليهم على انهم القدوة واصحاب السبق في ميدان التنافس الحضاري، وان تُشكل تجربتهم مدرسة لاشواق الانعتاق من الاستبداد والفساد وان تصدّر الى محيطنا المبتلى بهذا الداء، والذي لا يزال يتخبط بين تجارب كثيرة معلبة ومستوردة ترتسم عليها علامات التبعية والاستبداد، وتفتقد انماط المشاركة السياسية فيها للارادة والمصداقية والجدية.
يبدو ان كل المياة التي سالت في شِعاب السياسة بقدرها واحتمل السيل منها زبداً رابياً لم تحرك ساكناً
وما جرى من تحولات عميقة في المنطقة ومن مخاض عسير دفعت الامة ثمنه شلالاً متدفقاً من الدماء وازهقت الارواح وفقد الناس الامن والاستقرار, لم يكن ذلك كله مقنعاً للمسؤولين بضرورة المراجعة والنظر والقناعة باهمية الانموذج التشاركي الذي يحمي الاردن ويجعل منه ضامناً لحقوق الاردنيين ومستقبلهم وخلاصاً من تشوهات الحالة واختلالات المسار, إن لم يكن ذلك كافياً لصحوة استثنائية, فان التهديد الحقيقي الذي تحمله الحقيبة الدبلوماسية لوزير الخارجية الاميركية جون كيري كفيل بالانتفاض والتخلص من حالة الخدر والبلادة التي يعيشها المسئولون.
الاردن في خطر, والاردن في عين العاصفة, والاخطر أن الاردن على طاولة التخدير قبل التشريح, ولم يبقى لدينا المزيد من الوقت لاهداره في هرطقات فلسفية فالخطر القادم لا يستثني احداً ولن يميز بين الاصول والمنابت, ومن حقنا ان نعرف قبل غيرنا ما الذي يجري وما هي الضغوط التي تُفرض او الابتزازات التي تُمارس؟ ما هي نتائج الجولات المكوكية التي يتسيدها كيري؟ من حقنا ان نسأل عن مستقبلنا ومصيرنا؟ ومن واجب المسئولين ان لا يتجاهلوا صيحاتنا وان يجيبوا على اسئلتنا وان يترجموا نظرية الشفافية وحق الحصول على المعلومات.
ايها القوم افيدونا هل نحن على ابواب اوسلو جديدة؟ اخبرونا قبل ان نقرأ الاخبار من الاعلام الصهيوني المعادي او من تسريبات ويكيليكس الاميركية, فهذه قضية وطن ولا تفويض فيها لاحد, ولا يملك احدٌ ان يفرط فيها او يتنازل عنها, من حقنا ان نعرف وان نقرر عن انفسنا, حتى نحمل معكم المسئولية, ولن نحمل عنكم اوزاركم, فالتاريخ لن يرحم والاجيال لن تنسى, وما لم يدركه البعض ان الثورة العربية المعاصرة والمتمثلة بالربيع لم تقل كلمتها الاخيرة بعد, وما يجري من مدافعة يومية في مصر وسوريا والعراق ليس حربا ضد الارهاب, وانما حركة شعوب مر عليها حين من الدهر لم تكن شيئا مذكوراً وكانت بملاينها ارقاماً خفيفة لا قيمة لها ولا وزن تدور في فلك النظام القطري الذي تسكن في حدوده, وقرارها اليوم هزيمة الخوف المسكون في النفوس وكسر القيود والاغلال والتمرد على حالة العجز الهوان وقلة الحيلة ومواجهة الارهاب السلطوي المدعوم اميركياً, ولكم ايها الساسة ان تختاروا لانفسكم المستقبل الذي ستخطه ارادة الشعوب او الدخول في متاحف السياسة ومخلفات التاريخ.
نائب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمون