الحكومة والحاجة إلى رؤية جديدة
يبدو أن الحكومة (الطبقة) تواجه صعوبة كبيرة في صياغة رؤيتها للانتخابات والمرحلة القادمة، وأنها في مأزق لا يساعدها في حله سوى المواجهة مع الإخوان المسلمين! ذلك أن إدارة الانتخابات النيابية والبلدية منذ العام 1993، وهي تقوم على أساس المنافسة مع الإخوان، وتبرر التجاوزات بتفويت الفرصة عليهم (الإخوان) ومنعهم من الوصول إلى أغلبية أو حصة مؤثرة في البرلمان والبلديات والنقابات..
هذه الإدارة حولت التنافس إلى أيديولوجيا، وصارت الحكومة (الطبقة) لا ترى نفسها إلا خصما للإخوان المسلمين، ولا ترى وظيفة لها إلا المواجهة مع الإخوان. ويبدو أنها معركة مسلية ومناسبة للطرفين (الحكومة والإخوان)؛ ويجب أن يقال أيضا إنه لا يمكن لوم الإخوان في ذلك حتى عندما يستدرجون إلى اللعبة، أو ينساق بعض "نجومهم" إلى التحريض الإعلامي والسياسي.الحكومة مضت في الاستعداد للانتخابات، والإخوان مضوا في مقاطعة الانتخابات.. ولا بأس في ذلك؛ فهناك أعمال أخرى لكل مكون سياسي واجتماعي في الدولة "ولكل وجهة هو موليها"؛ هناك عمليات تسجيل للانتخابات تصلح قاعدة لبناء منظومة ثقة وصدقية للانتخابات، وهذا إنجاز جيد (وبالمناسبة، فإن الحكومة كانت هي المتسبب الأكبر بالإضرار بعملية التسجيل)، ويمكن للشخصيات والتيارات السياسية والاجتماعية أن تقدم للانتخابات عددا كبيرا من القيادات السياسية الجديدة، فمن المؤكد أن لدى المجتمع الأردني مائة وخمسين شخصية ذات كفاءة عالية وسيرة تخلو من الأسبقيات "الفسادية" وقادرة على اكتساب ثقة الناخبين.
أعتقد أن الناس ينتظرون وجوها جديدة من السياسيين وكبار الموظفين والتكنوقراط ورجال الأعمال والقادة الاجتماعيين، وليسوا معنيين بمشاركة الإخوان المسلمين بقدر ما هم معنيون بطبقة جديدة من النواب والأعيان والوزراء والمدراء العامين وكبار الموظفين، تملك النية الحسنة والإرادة القوية والصادقة للإصلاح، وأن الناس غير قادرين على احتمال معظم إن لم يكن جميع الوجوه والأسماء المجربة. آن الأوان لطبقة سياسية في البلد أن ترحل وتنسحب بهدوء وسلام، وتترك المجال لمجموعة جديدة.
أما إقحام البلد والمجتمع في مواجهة مع الإخوان المسلمين، فليس إلا اسما حركيا للمواجهة مع الإصلاحيين من داخل النظام السياسي نفسه، وتفويت للفرصة على الإصلاحيين من قادة الدولة وأبنائها، ومواصلة لحرب الطواحين مع خصوم غير موجودين أو لا يريدون الخصومة مع الدولة.
الإخوان المسلمون قرروا مقاطعة الانتخابات، وهم يراهنون على أن مآلات العملية السياسية سوف تكون قريبة مما يطالبون به؛ إن لم تكن في هذه الانتخابات ففي المرة القادمة. والرد الفعلي هو تيار سياسي جديد يكتسب ثقة الناس والفئات المؤثرة في المجتمع.. لا مجال إلا لمبادرة تقدم للناس شخصيات موثوقة وتكتسب احترامهم وتأييدهم.