الحكومة الى أين..؟
ليس هناك أكثر من تفسير للطريقة التي تدير بها الحكومة الأزمة سوى إنها غير معنية بتحقيق اصلاحات سياسية ودستورية تخرج البلاد من الازمات المتفاقمة والمركبة, فالأجواء المسمومة التي أشاعتها من خلال التحشيد والتجييش والسماح لمراكز القوى بتنظيم فرق كاسري المسيرات والاعتصامات "البلطجية" بالاعتداء على المواطنين وتعريض حياتهم للخطر, ما هو الا تعبير عن وجود متضررين بين الأوساط الرسمية من مشروع الإصلاح السياسي المنشود, خاصة ان هذه المظاهر لم تتوار عن الأنظار حتى بعد ان أصدر رئيس الحكومة تعليماته لرجال الأمن بالتصدي للعناصر التي تمارس الاعتداء على المواطنين.
الوضع السائد في البلاد لا يحتمل التأزيم والتحشيد والتمترس في ظل الاحتقانات السياسية والاجتماعية وفشل السياسات الاقتصادية في معالجة قضايا المواطنين المعيشية, وتزايد مساحات الفقر والبطالة وارتفاع معدلات التضخم, مع اتساع مظاهر الفساد بإشكاله المتعددة والمتنوعة سواء بالاعتداء على المال العام من قبل متنفذين كبار بعقد صفقات مريبة, والإعلان الرسمي عن وجود 10 حالات فساد من الوزن الثقيل, وإحالة قضية تكلفة دراسة جدوى تنفيذ مشروع جر مياه الديسي الى مكافحة الفساد, بعد ان اتضح ان مبالغ خيالية خصصت لدراسة جدوى تنفيذ المشروع, وغيرها من قضايا الفساد التي تؤرق الأردنيين, ناهيك عن الفساد الإداري والمالي الذي يستنزف أموال الخزينة, من عدم وجود ضوابط لتحديد رواتب موظفي المؤسسات الخاصة التي أصبحت معظمها مراكز تفريخ للفساد, تسرب منها على سبيل المثال وجود موظف يتقاضى راتبا شهريا 19.5 ألف دينار في مؤسسة حكومية مستقلة, وعلى غرار هذه الحالة قس حالات لا حصر لها, حيث قدرت رواتب المؤسسات الحكومية المستقلة بحوالي 178 مليون دينار سنويا,لمؤسسات لا تخضع لرقابة نيابية, في الوقت الذي تعاني البلاد من تفاقم عجز الموازنة الذي قد يقفز العام الحالي الى حوالي 2 مليار دينار- موازنة ومؤسسات مستقلة-, الأمر الذي دفع الشباب الغيورين على مصلحة الوطن من مختلف المحافظات بالمطالبة بالإصلاح السياسي كمدخل لتحقيق إصلاحات شاملة وإغلاق منابع الفساد ومحاكمة الفاسدين واسترداد أموال الشعب, وتصويب التشوهات الهيكلية للاقتصاد الوطني, وتوجيه الاستثمارات نحو تنمية اقتصادية إنتاجية مستدامة, تسهم بمعالجة البطالة ورفد الخزينة بالأموال, وإعادة النظر بالسياسة الضريبية التي تشكل عبئا ثقيلا على المواطنين عامة من خلال ضريبة المبيعات المتحيزة ضد الفقراء, ضريبة بنسبة متساوية بين كافة المواطنين من مختلف الشرائح والفئات الاجتماعية - الأغنياء والفقراء-, بات من الضروري إصدار نظام ضريبي عادل يعتمد الشرائح التصاعدية على الدخل من الإرباح, واستثمار عائدات الضرائب في توفير خدمات صحية وتعليمية واجتماعية للفقراء, ودعم السلع الأساسية لذوي الدخل المحدود, كي يشعر المواطن بعائدات التنمية ومعدلات النمو الاقتصادي تنعكس على حياته الاجتماعية.
وبدلا من السير قدما نحو تحقيق إصلاحات سياسية, نشطت قوى الشد العكسي المدفوعة من القوى المتضررة من عملية الإصلاح, بتعبئة حاقدة ضد المدافعين عن مبدأ الإصلاح السياسي, وكان تهديد وزير الدولة للإعلام بالاستقالة إذا ما سمح باستمرار هذه الأجواء في الإعلام الرسمي, من مواصلة توتير الأجواء والتخندق باسم الولاء والانتماء, دليل واضح على الدور التخريبي الذي تمارسه هذه الفئات, ان الظروف التي تمر بها البلاد تستدعي الحكمة والعمل الدؤوب المخلص, للخروج من هذه الأجواء وإضفاء جو يسوده المكاشفة والمصارحة والعلنية, لخلق حالة من الثقة المتبادلة لإنجاح حوار يفضي بإصلاحات سياسية ودستورية شاملة تشكل رافعة لبناء دولة المؤسسات والقانون, وقد عبر البيان الصادر عن أكثر من مئتي شخصية وطنية تمثل مختلف الأطياف السياسية, الرغبة المخلصة لتحقيق إصلاح وطني في ظل الشرعية الدستورية ومؤسسة الحكم وليس بديلاً عنها, مؤكدين الحفاظ على الوحدة الوطنية وتعزيزها, معتبرين أي مساس بهذه الوحدة على أسس جهوية أو إقليمية أو طائفية يشكل اعتداء على الوطن, لذلك لا بد من التصدي لدعاة الفتنة, مدركين إن الأمن الوطني لا يتحقق باستخدام العصا الغليظة, وإنما بصون حقوق المواطنين التي كفلها الدستور- الحق في العمل والتنظيم والتعبير عن الرأي- بكافة الوسائل السلمية والمشروعة.
العرب اليوم