التنصت والخمسة ملايين!
قصة الرشوة التي دُفعت بقيمة خمسة ملايين دينار من اجل اطلاق سراح خالد شاهين وتسفيره، قصة غريبة ومثيرة ايضاً.
بدأت القصة باتصال من مواطن يدعى «ابومحمد» مع قناة الحقيقة الدولية، وقال ان لديه تسجيلات بحكم عمله في الدولة، تثبت ان رئيس حكومة ووزيرا، ارتشيا خمسة ملايين دينار، مقابل تسفير خالد شاهين.
«ابومحمد» طلب حماية النائب عبدالله النسور الذي كان ضيف برنامج «ابن البلد» وتعّهد له النسور بشرفه المهني، ان يقدم له الحماية اللازمة مقابل تسليم هذه التسجيلات.
صديق مقرب من النسور قال ان المواطن عاد واتصل بالنسور بعد البرنامج، وهو مواطن حقيقي وله اسم، ومكان، ومكالمته لم تكن زيفاً او وهماً، متسائلا عن سر عدم متابعة الحكومة لهكذا قصة، بدلا من انتظار افراج «ابومحمد» عن تسجيلاته؟!.
بعد يومين دخل رئيس الحكومة على الخط، لان القصة خطيرة جداً، وفيها اتهام مباشر له، وقال في تصريحات لبرنامج «تعليلة» في قناة الحقيقة الدولية انه يتعهّد ايضاً بحماية «ابومحمد» مقابل اشهار التسجيلات، في تحدٍّ مباشر للمواطن.
كل الدولة بدأت تحقيقاتها حول القصة، والذي لا يعرفه كثيرون، ان المواطن اتصل في البداية من هاتف محجوب الرقم، ثم في مكالمته الثانية، مع النائب النسور، ظهر رقمه، وفقاً لمعلوماتي.
السؤال الثاني، ما هي الوظيفة التي يشغلها المتصل، وهل تسمح له بالتنصت على المكالمات، وتسجيلها، ولماذا سكت طوال هذه الفترة، ولماذا اعلن عن تسجيلاته عبر قناة تلفزيونية، ولماذا توارى خلف الاضواء؟!.
هل كانت المكالمة سياسة ام فعلا تكشف عن رشوة، وهل هدفها كشف حقائق، ام حرق سمعة رئيس الحكومة، ووزير اخر؟!.
اذا كان المواطن الذي وصف نفسه بأنه يحمل درجة عليا في الدولة، صادقاً، فلماذا يختفي، ولماذا نصدر مناشدات له بتسليم التسجيلات، ومن ادنى واجباته ان ُيشهر التسجيلات وان لا يخاف.
هل الشخص الذي يريد اخذ رشوة، يطلبها عبر الهاتف فيتم تسجيل المكالمة، ام يطلبها في غرفة مغلقة، واذا كان طلب الرشوة تم في غرفة مغلقة، فيكف تمكن الاخ «ابومحمد» من وضع اجهزة تنصته تحت المائدة؟!.
لهذه الاسباب كلها تبدو كل القصة غريبة، وهدف المكالمة سيكون سياسياً، اذا لم تتبعها ادلة عملية، هذا على الرغم من وجود مليون سؤال وتشكيك في طريقة خروج السيد خالد شاهين، للعلاج في لندن.
المفترض ان تقوم الجهات الرسمية الان، بشيء آخر، ليس طبعاً انتظار الاخ «ابومحمد» لتسليم تسجيلاته، بل التحقيق الفني، عبر العودة الى وقت المكالمة، ومراجعة مصدرها الذي خرجت منه، من داخل البلد او خارجه.
ومع ذلك الوصول الى صاحب المكالمة، اذا كان في الاردن اصلا، ومطالبته بتسليم سجلاته الصوتية، لان هكذا قصة تحمل اتهاماً خطيراً جداً، لا يمكن معه انتظار ظهور «ابومحمد» وقتما يريد.
قصة خالد شاهين، تربك الحكومة، واذ تحاور كل مسؤول في البلد يقول لك لا اعرف كيف خرج شاهين، اسأل فلاناً، او يقال لك سنحقق في الموضوع، ولن نسكت، وتكتشف ان لا احد يعرف كيف خرج للعلاج؟!.
هذا على الرغم من انه في عهد حكومة سمير الرفاعي طلب العلاج في الخارج، فتم رفض الطلب وقيل له احضر اي طبيب عالمي، من خارج الاردن، اذا اردت، اما العلاج خارج الاردن فمستحيل.
هكذا قصة لا يتم حلها ببث «رسائل شوق» نحو المواطن لتسليم تسجيلاته، بل يجب التحقيق فيها، على اعلى مستوى.
القصة تقودنا الى استنتاجات خطيرة، اقلها ان هناك من يتسمع ويتنصت ويُسجّل، او ان هناك من يحصل على رشاوى فعلياً، او ان هناك من يكذب على الهواء مباشرة، او ان هناك من يخترق كل القوانين والتعليمات ويلعب بالناس.
لغز رشوة الخمسة ملايين دينار، اللغز الاكثر غموضاً، هذا العام.