التعليم والحياة والعمل

التعليم والحياة والعمل

الربط الجاري في بلادنا ومجتمعاتنا وأسواقنا بين التعليم والعمل، يفسد التعليم والعمل.. والحياة أيضا. فهذا المسار المنمط شبه الحتمي في التعليم المدرسي الأساسي، ثم الثانوي، ثم الجامعي، ثم البحث عن عمل.. ليس هو الأصل في العمل والعلم والحياة. فالعلم ليس مقصورا على مهمة وحيدة هي العمل، أو إعداد الناس للعمل، ولكن العلم في الأصل متطلب أساسي للحياة، يساعد الإنسان في حياته وعمله.

ويمكن القول، ببساطة، إن العلم موجه في الأصل للارتقاء بالحياة والنفس، والبحث عن الحكمة والمعرفة. والعمل هو في الأصل فنّ ومهارات يتعلمها الإنسان بالتدريب والممارسة.

ولا بأس، بالطبع، أن يكون للمهن والحرف شروط من التعليم الجامعي أو ما بعد المدرسي، ولكن ذلك ليس الوظيفة الوحيدة للعلم والتعليم.

نحن نتعلم أساسا لنعيش حياتنا كما يجب أن تعاش، وكما نحب أن نعيشها، وبحثا عن المعرفة والحكمة باعتبارهما السمة الأساسية للإنسان التي جبل عليها، والتي تمنح البشرية، أفرادا ومجتمعات، قيما ومعارف أساسية للارتقاء بالعلوم والمهن وتنظيم الحياة والمجتمعات، والأهم من ذلك ارتقاء الإنسان بنفسه وحياته، والرضا والسعادة. وهذا التركيز الذي تمارسه المدارس والجامعات والأسواق والدول على مسألة التعليم لأجل العمل، يضر بالعمل والحياة والمجتمعات، ويهددها!لنبدأ بالتفكير للعلم والتعليم ببساطة. يحتاج الطفل أن يتعلم المهارات الأساسية للحياة، مهما كان عمله وموقعه. وهذه وظيفة أساسية للأسر والمدارس والمجتمعات؛ كيف يكون الفرد قادرا على السلوك والتصرف في حياته اليومية واحتياجاته الأساسية؟ كيف يحمي نفسه من الأخطار، والسلوك الاجتماعي، والصداقة والعلاقات والمشاركة في الأسرة والمجتمع، والخدمات والقدرات الأساسية للحياة اليومية في المسكن والطعام والملبس والصيانة؟ فيفترض أن يتعلم كيف يسير في الشارع، وكيف يبني بيته، ويقوم بأعمال الصيانة الأساسية في بيته؛ النجارة والكهرباء والأجهزة، وتصميم بيته وأثاثه واختياره، والطعام واللباس والنظافة، والصحة العامة..

ويحتاج تاليا إلى المهارات والفنون الأكثر رقيا وجمالا، والتي تجعل حياته أكثر ثراء وسعادة؛ القراءة والكتابة والفنون والموسيقى والرسم والكتابة والرياضة والهوايات والمسرح والخطابة والحوار.

ويحتاج إلى العلوم والمعارف الأساسية التي تمكنه من الفهم والتعايش والتعلم؛ اللغة والآداب والدين والتاريخ والفلسفة. ويحتاج العلوم الأساسية التي تؤهله للارتقاء في العلم والمهن؛ الرياضيات والفيزياء والجغرافيا والكيمياء وعلوم الحياة والزراعة..

يحتاج الفرد أن يكون قادرا مع نهاية التعليم الأساسي على إدراك شجرة المعرفة والعلم والفنون، فيختار إن أراد بعضها للمضي فيه، وأن يكون قادرا على أن يواصل ذاتيا التعلم والارتقاء بنفسه في الفنون والفلسفة والآداب، وأن يختار ما يرغب ويناسبه من المهن والأعمال مستقلة عن العلوم والمعارف، ويمضي فيهما (العلم والعمل) متوازيين ومستقلين عن بعضهما، فيعمل في السوق والوظائف والمهن معلما نفسه أو سالكا في المعاهد والكليات، ويعلم نفسه أو يتعلم في الجامعات الفلسفة والتاريخ والفنون والموسيقى والمسرح والآداب واللغات. وبذلك، فإنه يؤسس نفسه للتمدن والعمران، ويكون قادرا على المشاركة العامة وتحصيل معاشه وموارده.

أضف تعليقك