البخيت الرجل الحديدي

البخيت الرجل الحديدي

فعلاً إنه رجل حديدي.. فمنذ تكليفه تشكيل الحكومة، وفي عز أسبوع المشاورات، بدأت اللكمات توجه إلى رئيس الوزراء معروف البخيت. وفي أيام جلسات الثقة التي نجح فيها بدرجة مقبول، كانت التظاهرات تتسع للمطالبة برحيله، لكنه أبى ولم يلتفت لشعارات الشارع.

شكّل الحكومة من غير "الصلعان"، ووصفها بحكومة أبناء الحراثين، لكن اللكمات استمرت، حكومة وسمت بالبطء وقلة الحركة.

حضر إلى الحكومة حاملاً فوق أكتافه ملفين، فيهما شبهة فساد؛ انتخابات 2007، والكازينو. في الأول قال إنهم لعبوها من خلف ظهره، والثاني حوّله إلى مكافحة الفساد، فإلى لجنة تحقيق نيابية قد تصله "طراطيشها" في تقرير يسلم إلى رئاسة مجلس النواب اليوم.

تأزمت البلاد ونزل الناس إلى الشوارع بعد أحداث دوار الداخلية في 25 آذار (مارس)، فحمل على أكتافه أخطاء أمنية وتنفيذية، وهاجم الإخوان المسلمين، واحتاجت البلاد إلى أسابيع وهي تداوي تداعيات التحشيد.

وكالصاروخ الموجه، هبطت على حكومته والبلاد قضية خروج السجين خالد شاهين من البلاد، فكادت تعصف وما تزال بعمر حكومته، وخلفت وراءها جرحاً في مصداقية الإجراءات ومن الذي سمح بالمساس بسيادة القضاء.

شكّل لجنة الحوار الوطني، فهجمت عليه الأحزاب غير الممثلة والعشائر الغائبة، وتبعها بتشكيل لجنة الحوار الاقتصادي، فخرج منها زميلان خوفاً من تمرير قرارات غير شعبية، واتهمت بأنها لجنة اللون الواحد. حتى عندما أعاد الروح إلى مهرجان جرش لم تسلم اللجنة التي كلفها من النقد من أوساط فنية وثقافية.
استقال وزيران أو أقيلا، فخرجت أسرار مجلس الوزراء إلى العلن، وظهر كأن الفريق الوزاري غير متجانس، وغير متفاهم، وفيه أكثر من فريق، وأكثر من معارض، وأكثر من طامح.

وفي عز الملفات الواسعة التي تواجه الحكومة، ومن غير تحضير إعلامي، وتشكيل لوبيات داعمة، فتح البخيت مشروع مازن الساكت الذي يعمل عليه منذ عدة سنوات، واختار له التوقيت غير المناسب: إعادة هيكلة رواتب موظفي القطاع العام، فخسر قضية كانت ستسجل في إرثه الذهبي لو كان الوقت مناسبا، وتم تنفيذها بعدالة وعلى مسطرة واحدة، فخلقت حالة من الاحتجاج، بحيث رفع كل موظف متضرر يافطة خاصة به، وبدأ سيل التراجعات لعدة مؤسسات بدا صوت العاملين فيها عاليا.

تأزيم في كل مكان، وفي معظم القطاعات، المعلمون أضربوا أسبوعا عن التدريس لتأخر إقرار مشروع نقابتهم، تبعهم الأطباء في إضراب مفتوح زاد من أوجاع البخيت والبلاد، فحيثما وجهت نظرك في الأردن تجد اعتصامات ويافطات مرفوعة، بعضها مستمر منذ أشهر، وأخرى تخرج كل يوم وبأحداث ومطالبات جديدة، الرابط بينها جميعا الاحتجاج على أوضاع قائمة، والمطالبة برحيل الحكومة، أو على الأقل الاحتجاج المباشر على سياساتها وقراراتها، والسير قدما نحو الإصلاح الذي يتعثر يوما بعد يوم.

اعتصامات الاحتجاجات لم تقف عند المطالب السياسية، بل تجاوزتها في الاعتصامات المطلبية، فمنذ أشهر واعتصامات العمال والشركات لم تتوقف، من الفوسفات إلى الموانئ، إلى معظم القطاعات الأخرى. وفي اليومين الماضيين انتعشت اعتصامات المؤسسات والعاملين فيها على قرار إعادة هيكلة رواتب موظفي القطاع العام، وزاد التأزيم بمسيرات الجنوب الحاشدة، على عكس مسيرات النخبة في عمان.

أينما نظرت في شوارع عمان وغيرها من المدن الأردنية تشاهد يافطات وشعارات، بعضها على القماش الأبيض، والأكثر على لوحات كرتونية، حالة احتجاج لم يعشها الأردنيون في أي فترة من فترات حياتهم.

أمام كل ما يحدث هناك حيرة في عقول الأردنيين: ماذا تحمل الأيام المقبلة؟ فعلى الصعيد الحكومي، خبا الحديث عن تعديل وزاري، وارتفع في اليومين الماضيين، وعلى الصعيد البرلماني، فمعظم النواب أيديهم على قلوبهم في انتظار لحظة الرحيل المبكر.

لكمات من كل الجهات، حتى وصلت إلى قطع الطريق أمام موكبه، وأفق سياسي غير واضح، وضبابية في أجندة الزمن والاستحقاقات للأيام المقبلة، يرافق ذلك، ولا يقل عن كل ما قيل، بل قد يتعداها جميعا، عسر شديد في الموازنة والحالة الاقتصادية للدولة، ومستوى معيشي مخنوق للمواطنين، ومع هذا ما يزال البخيت صامدا، ويعين مستشارين جدداً في الرئاسة.

الغد

أضف تعليقك