الباشا والدولة
الإيحاء الرئيس الذي يتبدّى من قرار المكتب التنفيذي للتيار الوطني بالاستقالة من مجلس النواب الجديد، ومن البيان الصادر بهذا الخصوص، بإغلاق المكاتب في المحافظات وغيرها من قرارات، كل ذلك يشي بأنّ الحزب قيد الإغلاق، ومغادرة الحياة السياسية بعد قرابة ستة أعوام فقط! استقالة المجالي اقتصرت عملياً عليه، فهو الناجح الوحيد من الحزب، ولم تشمل البقية (18) نائباً أعلن الحزب أنّهم نجحوا في مجلس النواب، ما يعني انفراط "عقد" كتلة الحزب، وأنّ النواب الناجحين هم أفراد لا يمثلون الحزب في المجلس.
بالضرورة ثمة قراءة واضحة لهذه الاستقالة، ترتبط من دون أدنى شكّ في النتيجة التي حققها الحزب، الذي كان يتوقع أن تكون له حصة الأسد في القوائم الوطنية والمقاعد الفردية، وأن يشكّل الكتلة الأكبر في المجلس، ما يؤهله للعب دور محوري في ديناميكية الحياة السياسية الجديدة، فكانت المفاجأة الصادمة حصوله فقط على مقعد واحد لزعيمه، عبد الهادي المجالي، في حين أطاحت الانتخابات بقيادات كبيرة في الحزب، من الوزراء والنواب السابقين، الذين لم يستطيعوا مجتمعين مع باقي المرشحين من تجاوز حاجز الـ(50) ألف صوت، بينما استطاعت قوائم أخرى، مثل حزب الوسط، وقائمة الزميلة رلى الحروب من تحقيق أرقام أكبر من ذلك بكثير! في بيان الحزب إشارة إلى ما اعتبرته قيادته ضربة قاصمة وجّهت له عبر "الولادات القسرية" لمجموعة كبيرة من القوائم المتنافسة، ما أثر – في قناعاتهم- على فرص مرشحيه، وهي قناعات بغض النظر عن قناعاتنا بها فإنّها تعكس السبب الأكثر أهمية لما آل إليه وضع الحزب اليوم، ألا وهو تخليّ الدولة عنه مبكّراً، منذ انتخابات 2010، بل وانقلاب "مؤسساتها" عليه، بعد أن تخلّت عن الفكرة التي وقفت وراء تأسيسه من جهة، وتغيّر "المطبخ السياسي" الذي دعم تلك الفكرة! النهاية الحالية لمسيرة الحزب لا تعدو أن تكون تتويجاً للنهاية الحقيقية له عندما انقلبت الدولة عليه، ففقد جزءاً كبيراً من المبررات التي أسست له، بوصفه حزب الدولة أو الأغلبية الصامتة الداعمة له، في مواجهة الإخوان المسلمين، ورفع المظلة الرسمية التي ساعدت الحزب كثيراً في البدايات، وساهمت بدورٍ محوري في عملية التجنيد والتجميع لمجموعات كبيرة من الطامحين، ولم يعد سرّاً أنّ شطراً مهماًَ من الطبخة تمّ في أروقة الدولة والقنوات الرسمية وبحضور شخصيات من الوزن الثقيل حينها! للأمانة؛ وبرغم انقلاب الدولة على التجربة، في انتخابات 2010، وركون زعيمه عبد الهادي المجالي إلى الظل (عبر عضوية الأعيان)، ثم رحلة المرض والعلاج؛ إلاّ أنّ عناد الرجل لم يفتر، فعاد مع حقبة الإصلاحات الجديدة إلى قلب المشهد السياسي، ظنّاً منه – وبعض الظنّ إثم- أنّ الفرصة السياسية باتت مواتية لهذه التجربة الحزبية، لكن رياح الانتخابات جاءت بما لا تشتهيه السفن، فإمّا أنّ الدولة حسمت أمرها وقرّرت عدم إنعاش التجربة، وإمّا أنّ الشارع لم يقتنع بهذه الفكرة، وفضّل بدائل أخرى عليها، حتى في غياب الإسلاميين! على أيٍّ، بانتظار موقف مجلس النواب - بعد الانعقاد الرسمي- من استقالة الباشا، وحسم النقاش القانوني حول تعويض المقعد (كتلة الإنقاذ أم النهوض الديمقراطي)، فإنّ الحزب يتوارى وراء ستارة المسرح السياسي، لكن يبقى التساؤل - مطروحاً بدرجة أقل- فيما إذا كان المجالي سيعلن الاستسلام والاعتزال ووقف طموحه السياسي، بعد مسيرة طويلة عنوانها العناد والصبر والمناكفة مع خصومه داخل السيستم أولاً وخارجه ثانياً!