الانتقائية في حجب الثقة عن الوزراء

الانتقائية في حجب الثقة عن الوزراء
الرابط المختصر

تتسارع وتيرة الأحداث في مجلس النواب حول طرح الثقة بوزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال راكان المجالي حيث تزايد عدد النواب الموقعين على المذكرة البرلمانية التي تطالب بإعادة طرح الثقة بالوزير قبل أن يتم سحبها مؤخرا وذلك على خلفية تصريحاته حول موعد إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة والتي أعلن أنها ستجرى قبل نهاية العام الحالي قبل أن يتراجع عن تلك التصريحات, وهو ما اعتبره السادة النواب إرباكا في فهم مواقف الحكومة تجاه القضايا الوطنية. كما ينتقد النواب الموقعون على المذكرة البرلمانية الوزير المجالي بسبب تغيبه ودون عذر مسبق عن حضور اجتماع اللجنة الإدارية في مجلس النواب والتي انعقدت لمناقشة ملف العاملين في مؤسسة الإذاعة والتلفزيون.

إن حجب الثقة عن الوزراء في الأردن يعد صورة من صور الرقابة السياسية التي يمارسها مجلس النواب على أعمال وقرارات السلطة التنفيذية. فالمادة (51) من الدستور تعتبر كل وزير مسؤول أمام مجلس النواب عن الأعمال المتعلقة بوزارته. إلا أن التساؤل الذي يثور هو سبب اختيار مجلس النواب الوزير المجالي لإعادة طرح الثقة به دون باقي الوزراء الذين ارتكبوا أخطاء تتعلق بأعمال وزاراتهم في نفس الفترة الزمنية التي صدرت فيها تعليقات الوزير المجالي. فالتصريحات الصحفية المتناقضة التي صدرت عن وزارة التربية والتعليم بخصوص إعادة امتحان الثانوية العامة في مدينة السلط ومن ثم نفيها من قبل وزير التربية والتعليم تتشابه إلى حد كبير مع مجريات قضية الوزير المجالي. كما أن ما تناقلته وسائل الإعلام من تصريحات نسبت إلى وزير الصناعة والتجارة أثناء زيارته إلى مؤسسة تشجيع الاستثمار وتلفظه بعبارات جارحة بحق الأردنيات العاملات في المؤسسة من خلال تهديده باستبدالهن بموظفات لبنانيات لجذب الاستثمارات إلى الأردن تعد من الأخطاء الجسيمة التي يجب أن لا تمر مرور الكرام على مجلس النواب.

إن تصادف كل هذه الأخطاء الوزارية في نفس الفترة الزمنية مع التركيز فقط على قضية الوزير المجالي يثير شكوكا حول مصداقية مجلس النواب في ممارسة دوره الرقابي. فهناك بالتأكيد قوى شد عكسيه تبسط سيطرتها على مجلس النواب وتحركه باتجاه أفراد معينين كتصفية حسابات سياسية وذلك على حساب المصلحة العامة. "فالفزعة" غير المسبوقة التي تشهدها أروقة مجلس النواب لطرح الثقة بالوزير المجالي تهدف وبشكل أساسي إلى الانقضاض عليه كونه قد تجرأ وتحدث بشكل علني عن إمكانية حل مجلس النواب في القريب العاجل, وهو الأمر الذي أفزع عددا كبيرا من النواب الذين رفضوا فكرة الحل مقدمين مصلحتهم الشخصية على المصلحة العليا. فمجلس النواب يريد صراحة من وراء ما يقوم به أن يوجه رسالة صريحة إلى الحكومة ان حل مجلس النواب وإجراء انتخابات تشريعية قريبة هو أمر مرفوض, وانه إذا ما حاولت الحكومة القيام بذلك فإنها ستواجه نفس المصير الذي يواجهه الوزير المجالي من حجب الثقة عنه لأسباب قد لا تكون بالضرورة دستورية.

إن ما يزيد من المعضلة الدستورية التي يواجهها مجلس النواب في التعامل مع الوزراء الحاليين هو غياب معايير واضحة للأخطاء التي يرتكبها الوزراء والتي تتم محاسبتهم عنها أمام مجلس النواب وتلك التي تقتضي مبادئ العدالة والإنصاف عدم مساءلة الوزراء عنها. ففي أي وزارة في الأردن هناك عدد كبير من الموظفين في أقسام ومكاتب مختلفة, بحيث يكون تحميل الوزير أي خطأ إداري يقوم به موظف معين في الوزارة مجحفا بحق الوزير. فالأصل أن يسأل الوزير عن القرارات والتصرفات التي تتعلق بالشؤون العامة داخل وزارته وعن جميع الأعمال التي تخالف السياسة العامة للحكومة. أما أية أخطاء قد تصدر عن موظف معين في الوزارة تتعلق بإدارة أمور الوزارة وتصريف شؤونها اليومية فمن الإجحاف تحميلها للوزير ومساءلته عنها سياسيا أمام مجلس النواب.

فأمام غياب مثل هذه المعايير الدستورية الواضحة حول أخطاء الوزراء التي تستوجب إعادة طرح الثقة بهم سيبقى الحال على ما هو عليه من تسييس للرقابة السياسية والانتقائية في اختيار الوزراء لحجب الثقة عنهم. فتخبط مجلس النواب في التعامل مع قضية الوزير المجالي يظهر جليا في عدم إجماع السادة النواب على سبب معين لطرح الثقة بالوزير, فهناك من يرى أن طرح الثقة بالوزير المجالي سببه تصريحاته الأخيرة حول الانتخابات البرلمانية, فيما يسببونها نواب آخرون على عدم حضور الوزير للمرة الثانية لاجتماع اللجنة الإدارية. فمثل هذه الانتقائية في ممارسة حجب الثقة عن أحد الوزراء دون غيره سيؤثر سلبا على صورة مجلس النواب أمام الرأي العام خاصة مع تبني الجسم الإعلامي موقفا مساندا للوزير المجالي كونه قد دافع عن الصحفيين أثناء مناقشات اللجنة القانونية في مجلس الأعيان للمادة (23) من القانون المعدل لقانون هيئة مكافحة الفساد, وهو الأمر الذي سيدفع الصحافة إلى تبني موقف عدائي من مجلس النواب الحالي

العرب اليوم