الانتقائية في التعامل مع النواب مزدوجي الجنسية

الانتقائية في التعامل مع النواب مزدوجي الجنسية
الرابط المختصر

قام رئيس مجلس النواب عبد الكريم الدغمي قبل أيام بإبلاغ الحكومة بشغور مقعد النائب شريف الرواشدة في محافظة الكرك وذلك على ضوء القرار التفسيري الصادر عن المجلس العالي لتفسير الدستور رقم (4) لسنة 2011 والذي أفتى بسقوط عضوية مزدوجي الجنسية من النواب والأعيان بمجرد بدء نفاذ التعديلات الدستورية الأخيرة وذلك سندا لأحكام المادة (75/1) من الدستور المعدل. فقد استند رئيس مجلس النواب في تصرفه هذا إلى المادة (88) من الدستور والتي تقضي بضرورة أن يشعر المجلس الذي شغر محل أحد أعضائه الحكومة أو الهيئة المستقلة للانتخاب خلال ثلاثين يوما من شغور تاريخ العضو وذلك لكي يملأ محله خلال شهرين من تاريخ الإشعار.

إن التعاطي مع أزمة مزدوجي الجنسية في مجلس النواب يقتضي معالجة حقيقية وشاملة للموضوع بدلا من التعامل مع حالة فردية لنائب واحد، وذلك في ظل غياب أي وازع أخلاقي لأعضاء مجلس النواب في احترام نصوص الدستور. لذا فإن الدور الأكبر يقع على رئاسة المجلس وذلك من خلال البدء بالتحري عن أسماء النواب مزدوجي الجنسية والذين شملتهم فتوى المجلس العالي بإسقاط عضويتهم من مجلس النواب حكما. فالتقارير الصحفية تشير إلى وجود ما لا يقل عن خمسة نواب يحملون جنسية أجنبية بشكل مخالف لأحكام الدستور، وهو الأمر الذي كان يجب على رئاسة مجلس النواب التحقق منه وحصر أسماء النواب مزدوجي الجنسية وذلك لغايات تقديم إشعار واحد بسقوط عضويتهم إلى الحكومة لإجراء اللازم وفق أحكام الدستور.

كما أن التعامل مع أزمة مزدوجي الجنسية في مجلس النواب يقتضي التحقق من إدعاءات النواب الذين يزعمون بأنهم قد تنازلوا عن جنسياتهم الأجنبية أو أنهم قد تقدموا بطلب تنازل عنها. فالنائب عماد بني يونس يدعي بأن لديه أوراق قانونية تثبت تنازله عن جنسيته الأمريكية قبل نفاذ التعديلات الدستورية مما دفع رئيس مجلس النواب إلى عدم شموله في الإشعار المقدم إلى الحكومة مع النائب الراوشدة. مثل هذه الوثائق يجب التحقق من مدى مصداقيتها وأن يتم نشرها في وسائل الإعلام لتفعيل الرقابة الشعبية على مجلس النواب. كما كان يجب على رئاسة مجلس النواب أن تتحقق من إدعاءات النائب شريف الرواشدة بأنه قد تقدم بطلب أصولي للتنازل عن جنسيته الكندية قبل نفاذ التعديلات الدستورية. فهو النائب الوحيد الذي سجل موقفا مشرفا عندما كشف عن جنسيته الأجنبية وامتنع عن التصويت في انتخابات رئاسة مجلس النواب في الوقت الذي شارك فيه باقي مزدوجي الجنسية من النواب عملية التصويت في انتخابات رئاسة مجلس النواب الأخيرة وهو الأمر الذي يثير شكوكا حول دستوريتها.

إن مثل هذه الانتقائية في التعامل مع قضية مزدوجي الجنسية من النواب ستزيد من الاحتقان الشعبي ضد مجلس النواب خاصة في ظل الجدية التي أظهرتها الحكومة السابقة والحالية في متابعة قضية مزدوجي الجنسية من الوزراء والأعيان، حيث تم اعتبار الوزراء السابقين من حملة الجنسية الأجنبية في حكومة معروف البخيت مستقيلين حكما من مناصبهم، وتم إعادة تشكيل مجلس الأعيان للتخلص من الأعيان مزدوجي الجنسية.

وعلى صعيد آخر، فإن إجراء انتخابات تكميلية لشغر مقعد النائب الرواشدة خلال الشهرين القادمين ستثير مشاكل في الواقع العملي. فالمادة (67) من الدستور المعدل تنص على أن تقوم الهيئة المستقلة بالإشراف على العملية الانتخابية وإدارتها وهو ما ينسحب بالتأكيد على الانتخابات التكميلية. فطالما أن الدستور الأردني المعدل لم يحدد فترة انتقالية لتطبيق أحكام المادة (67) فإنه يفترض أن أية انتخابات تشريعية أو تكميلية تنظم بعد نفاذ الدستور ستتم تحت إشراف وإدارة الهيئة المستقلة للانتخاب والتي ما يزال إنشاؤها وتشكيلها قيد التشريع.

ومن المشاكل الأخرى التي ستثيرها إجراء انتخابات تكميلية قبل نهاية العام الحالي أن المادة (88) المعدلة من الدستور قد أحالت آلية ملئ محل من شغرت عضويته في مجلس النواب إلى قانون الانتخاب، وذلك على خلاف النص الدستوري السابق قبل التعديل والذي كان يقضي صراحة بضرورة إجراء انتخاب فرعي خلال شهرين من تاريخ إشعار مجلس النواب الحكومة بشغور محل أحد الأعضاء فيه.

إن قانون الانتخاب الحالي لمجلس النواب رقم (9) لسنة 2010 الذي يعد نافذ المفعول عملا بأحكام المادة (128/2) من الدستور المعدل والذي سيتم إجراء الانتخابات التكميلية على أساسه هو قانون غير دستوري فيما يتعلق بشروط العضوية في مجلس النواب والتي تخالف أحكام الدستور المعدل الخاصة بحظر ازدواج جنسية المرشح. فالمادة (8) من قانون الانتخاب الحالي لعام 2010 تشترط في المرشح أن لا يدعي بجنسية أو حماية أجنبية وهو ما يخالف النص الدستوري المعدل في المادة (75) التي تحظر أن يكون عضوا في مجلسي الأعيان والنواب من يحمل جنسية دولة أخرى.

إن كلا من رئاسة مجلس النواب والحكومة مدعوتان إلى فتح ملف الجنسيات المزدوجة للنواب وذلك بأسرع وقت ممكن حتى لا تبقى هذه القضية حجر عثرة في طريق مرحلة الإصلاح القادمة الخاصة بالقوانين الناظمة للحياة السياسية حتى وإن ترتب على كشف المستور نتائج تتعارض مع مصالح جهات معينة داخل رئاسة المجلس.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية