الاقتصاد بين المتشائمين والمتفائلين
يصر الكثير من المراقبين والمسؤولين على ان الحديث المتواصل عن التحديات التي تعترض الاقتصاد الوطني تعطي مدلولات سلبية غير حقيقية ولا تساعد على جذب الاستثمارات, لذلك لا بد من التركيز على الانجازات وتعظيم الاعمال.
المتفائلون بأن الاقتصاد الاردني سيخرج من ازمته الراهنة يرتكزون على جملة من المعطيات اهمها انها ليست هذه هي الازمة الاولى التي يتعرض لها الاقتصاد, فقد تعرض الى ما هو اشد منها في العقود الماضية وخرج منها سليما معافى.
كما يستندون الى العلاقات الاستراتيجية التي تتمتع بها القيادة مع الدول الكبرى التي تشكل الداعم الرئيسي للمنح الخارجية, وبالتالي فان المنطق يقتضي ان لا يترك الاردن من دون مساعدة في مواجهة تداعيات اية ازمات قد تؤدي الى زعزعة الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي, وهذا واضح من خلال الدعم السعودي السخي للموازنة.
كما ان هناك معطيات ايجابية يتحدث عنها بعض الساسة حول انخفاض الاسعار خاصة الطاقة والمواد الاساسية, الامر الذي سينعكس ايجابا على الميزان التجاري ناهيك عن الفرصة المتاحة في الدخل السياحي للفترة المقبلة ان احسنت الحكومة التصرف, اضافة الى المؤشرات الايجابية في المرتكزات النقدية.
وبالرجوع للمعطيات السابقة نجد ان المتفائلين يستندون الى جملة من المعطيات السياسية في تعزيز الاقتصاد وتحقيق النمو المستهدف, لكننا في الحقيقة لا نجد معطيات اقتصادية تؤسس لذلك النمو بشكل مستدام.
اما المتشائمون فيتحدثون عن جملة من الاسباب التي تدفعهم لذلك الانطباع السلبي عن الاقتصاد, مثل عدم وحدة الفريق الوزاري الاقتصادي الحكومي وتشتت مواقفه تجاه القضايا الرئيسية, وغياب "المايسترو" في ادارته, الامر الذي بدت انعكاساته تظهر من خلال التخبط الحاصل في الكثير من القرارات والخطط التي تراجعت عنها الحكومة.
ويستندون الى معطيات رقمية باتت تقلق كل مراقب وراصد لتطورات الاقتصاد الوطني, فالمديونية اليوم في اعلى مستوياتها وتجاوزت ما كانت عليه اثر ازمة الدينار سنة 1989 ، وتجاوز مستواها سقف الـ 12.5 مليار دينار, والحوالات هبطت في النصف الاول اضافة للدخل السياحي والاحتياطات من العملة الصعبة, كما ان ارباح الشركات في تراجع كبير خاصة البنوك, كما ان ظاهرة الشيكات المرتجعة في تزايد كبير, واذا ما دققنا في النمو المتحقق سنجد انه بلغ 2بالمئة تقريبا في الربع الاول وهو اقل بكثير مما توقعته الحكومة ممما يدلل على حالة التباطؤ التي يعيشها عدد من القطاعات التنموية المهمة المولدة للدخل.
كما ان الموازنة تعاني من عجز مالي غير مسبوق بات مقلقا بعد ان وصل الى اكثر من 1.1 مليار دينار في الوقت الذي ارتفعت الفجوة بين الايرادات المقدرة والمحصلة فعلا بنسب مقلقة كما ان التدفقات الاستثمارية هبطت في المملكة بنسبة 58 بالمئة تقريبا في النصف الاول واذا ما نظرنا الى خارطة المشاريع الكبرى التي تعول الحكومة على تنفيذها فاننا سنجد ان الكثير منها تأخر في حين ان البعض الاخر لم يتم تنفيذه.
الا ان المتشائمين يتحدثون صراحة عن ظاهرة نمو الفساد وتغول عدد من المتنفذين على عملية صنع القرار والضغط باتجاه تنفيذ صفقات بعيدا عن المصلحة العامة والعبث بالامن الاقتصادي والاجتماعي.
هذه مقارنة بسيطة وسريعة بين المتشائمين والمتفائلين حول الاقتصاد الوطني, والامر متروك للقارئ للحكم على الجانبين واي منهما حججه الاقوى والاجدر بالانتباه.
العرب اليوم