الاختبار الأول أمام الحكومة الجديدة

الاختبار الأول أمام الحكومة الجديدة
الرابط المختصر

الباخرة "سور" الهاربة تحت جنح الظلام من ميناء العقبة, التي كانت تحمل شحنة فاسدة من الذرة, تشكل امتحاناً متقدماً واختباراً أولياً لجدية الحكومة الجديدة في سلوك طريق الإصلاح الحقيقي ومدى جدارتها بالولاية الدستورية الكاملة التي تؤهلها لوضع يدها على بؤر الفساد ونبش عش الدبابير الذي أرعب الحكومات السابقة وأرعب المواطنين جميعاً.

قصة الباخرة "سور" تبدو أنّها نسخة مكررة عن شحنة سابقة, بالمواصفات نفسها, تم إدخالها إلى العقبة عام 2008م, وبعد موافقة وزارة الزراعة آنذاك بإدخال (19) ألف طن من أصل حمولتها البالغة (24) ألف طن, وهذا مضمون الوثائق التي هي بحوزة إحدى الصحف اليومية كما أخبرت الزميلة (سماح بيبرس), ويمكن الرجوع إلى التفاصيل الموثقة لديها.

قصص الفساد الكبيرة, والمتتابعة في الأردن حتى في زمن ثورات النهوض العربي, تدل دلالة واضحة على أنّ شبكة الفساد في الأردن تعيش في أمان ولا تشعر بأدنى قلق, وتمارس أعمالها ومخططاتها بهدوء وثقة, وسبب ذلك يعود إلى أنّه ليس هناك جديّة حقيقية صارمة في محاسبة الفاسدين من أجل وقف عمليات النهب المضرة بمقدرات الوطن.

أصبحت ملفات هيئة مكافحة الفساد مزدحمة, وعندها من القضايا ما يفوق طاقتها, ممّا استوجب إعادة النظر بشكل جذريّ لدى الحكومة الجديدة فيما يتعلق بموضوع الفساد من أجل اجتثاث هذا الورم السرطاني الخبيث الذي ألحق الضرر البالغ بالبلاد والعباد.

إنّ قضيّة الباخرة "سور" يجب أن تؤدي سريعاً إلى عملية دحرجة رؤوس كبار في وزارة الزراعة وفي مؤسسة الموانئ وفي إدارة العقبة, وهذا يذكرنا بقصة أسمدة (الحمأة) المستوردة من الكيان الصهيوني, وقد أحيلت القضية إلى التحقيق لدى هيئة مكافحة الفساد منذ عدة أشهر.

يجب أن نقول وبالفم الملآن: انّنا في الأردن بحاجة إلى انتفاضة إدارية, وثورة سلميّة عارمة, تنال كل مؤسسات الدولة وأجهزتها; من أجل تطهيرها من عفن الفساد, ولا يمكن للشعب الأردني أن يقضي على العفن إلاّ بالسماح للشمس والهواء النقيّ من ملامسة كل جزئية داخلية, وكل زاوية مظلمة ومعتمة, على كل امتداد الرقعة الأردنية بكل شفافية وكلّ وضوح وبكلّ جرأة.

إنّ الحكومة الجديدة إذا أرادت أن تسلك مسلك محاربة الفساد سوف تجد صعوبة بالغة بلا شك, وسوف تفتح على نفسها "عش الدبابير" ¯ هذا صحيح بكلّ تأكيد ¯ لكن ليس هناك طريق آخر, إنّما يجب أن تعلم الحكومة وغير الحكومة أنّ مواجهة عش الدبابير أمرٌ ممكن, إذا توافرت العزيمة وتوافر الصدق والإخلاص والرؤية الثاقبة.

وما يعرفه الأردنيّون حق المعرفة, أنّ محاربة الفساد لا يمكن أن تتم بالمساومة ومن خلال الصفقات أو بأنصاف الحلول; لأنّ ذلك يؤدي إلى شرعنة الفساد وتقويته وإطالة أمده.