الاحتجاجات والاعتصامات العمالية ... قنبلة موقوتة

الاحتجاجات والاعتصامات العمالية ... قنبلة موقوتة
الرابط المختصر

لا ندري هل يعي صانعي السياسة واصحاب القرار في الأردن حجم مشكلة الاحتجاجات العمالية التي تزايدت بشكل مرعب في السنة الماضية وضربت أرقاماً قياسية لم تعرفها الأردن من قبل.

لقد كشف المرصد العمالي الأردني في تقريره حول الاحتجاجات العمالية لعام 2012 أرقاماً مرعبة وصلت على 901 احتجاجاً واعتصاماً، وهو رقم لم تشهده الأردن من قبل، الأمر الذي يشكل قنبلة موقوته على الأمن في الأردن، كما ان ما يثير الرعب أكثر أن التقديرات تشير الى أن اكثر من 90 بالمائة من هذه الاحتجاجات لم يتم حل مشكلتها بعد، بل انتهت لمفاوضات أو وعود فارغة دون الاستجابة للمطالب، مما يعني تأجيل المشكلة وليس حلها.

لقد سجلت الاحتجاجات العمالية في عام 2012 رقما قياسيا وغير مسبوق، حيث بلغت (901) احتجاجا، أي بزيادة قدرها 8 بالمائة مقارنة مع عدد الاحتجاجات التي نفذها عمال الأردن في عام 2011 والتي بلغت آنذاك (829) احتجاجا (وهي مرتفعة أيضاً)، اما اذا قمنا بالمقارنة مع سنة 2010 فقد كانت النسبة 149 احتجاجاً، وهذا مؤشر مهم جداً على ان المشكلة أصبحت تهديداً حقيقيا للإدن، سيما ان القطاع الوظيفي بشقية العام والخاص يشكلان الشريحة الأكبر للعمل في الأردن.

ولكن السؤال المهم، ما هي اسباب هذه الاحتجاجات؟ تشير الأرقام الني نشرها المرصد العمالي الأردني في تقريره أن حوالي نصف عدد هذه الاحتجاجات يعود الى انخفاض الاجور والرواتب، وهذا بالتأكيد ليس مستغرب، لأن أحد أهم التحديات والاختلالات التي يعاني منها سوق العمل في الأردن هو انخفاض معدلات الأجور، إذ أن ما يقارب ثلاثة ارباع أجور العاملين في الأردن تقع تحت خطر الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي) حسب الأرقام الرسمية الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي في تقاريرهما الأخيرة.

لقد بلغ خط الفقر المطلق (الغذائي وغير الغذائي) في الأردن في عام 2010 (813.7 ) دينار للفرد سنويا، وللأسرة المعيارية المكونة من 5.4 فرد فانه يبلغ 366 دينار شهريا. واذا ما اخذ بعين الاعتبار معدلات التضخم خلال العامين الماضيين 2011 و 2012 والتي كانت (4.4%) و (4.8%) على التوالي، فان خط الفقر في الأردن للأسرة المعيارية يبلغ (400) دينار شهريا. والأرقام الرسمية تفيد ان (72%) من العاملين ومشتركين في الضمان الاجتماعي يحصلون على رواتب شهرية تبلغ 400 دينار فما دون. كما تؤكد الأرقام الصادرة عن دائرة الإحصاءات العامة التي صدرت مؤخراً هذا الواقع الصعب عندما أشارت أن 44.6 % من العاملين الاردنيين تقل رواتبهم الشهرية عن 300 دينار. وان نسبة من تقل رواتبهم عن 500 دينار 89.4 % من المشتغلين الاردنيين فيما تبلغ نسبة من تزيد رواتبهم على 500 دينار 10.6 %. بمعنى أن غالبية الأسر الأردنية لا تستطيع أن تغطي حاجاتها الأساسية الغذائية وغير الغذائية. إن تصفح هذه الأرقام كافيا لتفهم هذا العدد الغير مسبوق للإحتجاجات والاعتصامات طلبا لحقوقهم. يضاف لذلك انخفاض الحد الأدنى للأجور في الأردن البالغ 190 دينارا شهريا والذي يقل عن نصف خط الفقر المطلق.

وعلى الرغم من نصف الاحتجاجات والاعتصامات تركزت في مطالبها على الاجور والرواتب، الى أن النصف الثاني منها تناول مواضيع اخرى مثل المستوى المتراجع لشروط العمل لغالبية العاملين في الأردن من حيث عدم تمتع قطاعات واسعة من العمال بالحقوق العمالية الأساسية التي نصت عليها تشريعات العمل الأردنية وتشمل ساعات العمل اليومية والإجازات السنوية والمرضية والرسمية وتوفر وسائل الصحة والسلامة المهنية، والاستفادة من التأمينات الاجتماعية التي توفرها المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي، وغياب التأمينات الصحية وغيرها من شروط العمل، إذ أن 44 بالمائة من العاملين بأجر في الأردن لا يتمتعون بأي شكل من اشكال الحماية الاجتماعية.

الملفت في الأرقام المعلنة دخول نوع جديد من الاحتجاجات العمالية خلال العام 2012، وهو الانتحار، أو التهديد بالإنتحار وايذاء النفس، والذي بلغ 17 حالة خلال العام 2012، إذ قام اربعة مواطنين بحرق انفسهم لأسباب تتعلق بالعمل، وادى ذلك الى وفاتهم، وهنالك 13 حالة محاولة قتل وإيذاء النفس لأسباب عمالية، وعلى الرغم من كون هذا النوع من الاحتجاجات هو غريب عن المجتمع الأردني، إلا انه مؤشر على تردي الأوضاع العمالية ودليل على الشعور بالعجز والخذلان لدى الشريحة المسحوقة في الأردن.

الاختلالات في القطاع العمالي كبيرة، وهي موجودة في غالبية القطاعات الاقتصادية، وفي كلا القطاعين العام والخاص، وتعود اسبابها الى العديد من سياسات العمل المتمثلة في حرمان غالبية العاملين من تنظيم انفسهم في نقابات عمالية تنظم العلاقة مع أصحاب العمل على اسس متوازنة، الأمر الذي يدفع غالبية العاملين الى تنفيذ احتجاجاتهم بشكل سريع، وبدون تحضير مسبق او انذار مسبق لأصحاب العمل سواء كان صاحب العمل من القطاع العام أو القطاع الخاص، وهذا يعود بشكل رئيسي الى غياب الخبرة النقابية للغالبية الساحقة من العاملين بسبب حرمانهم من حق التنظيم النقابي، فنصوص قانون العمل المعمول به ونظام الخدمة المدنية يمنعان ذلك، بالاضافة الى أن الغالبية الساحقة من الاحتجاجات العمالية قام بتنفيذها عاملون ليس لديهم نقابات عمالية، وهذا يدحض بعض المقولات التي نسمعها بين وقت وآخر من أن الاحتجاجات العمالية التي يشهدها الأردن تنفذها النقابات العمالية الجديدة والمستقلة.

على أصحاب القرار وصانعي السياسة أخذ هذه الأرقام على محمل الجد، فالتقارير التي تصدر عن منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية تعتبر مؤشر على النمو في البلاد، وتنبه أصحاب القرار بالأولويات والفجوات التي يجب معالجتها، إلا انه في الغالب عندما يصدر تقرير من منظمة مجتمع مدني أو منظمة دولية يشير الى نمو ما في قطاع ما، يقوم المسؤولون وأقلام الدولة بالتهليل والتطبيل عن مدى تطور الأردن في ذاك المجال، أما عندما يشير التقرير الى تراجع ما في قطاع آخر، يشكك المسؤولون وكتاب الدولة في دوافع الجهة التي أصدر التقرير بأن لها اجندات خفية وكل تلك التهم المعلبة والجاهزة مسبقاً.

أضف تعليقك